15 يوماً بلياليها ونهاراتها مرّت على انتفاضة الشعب اللبناني، وبعد مضيّ كل هذا الوقت يبدو أن الخارج لن يتحرّك، أو لم تصل الأزمة إلى حدّ تتطلّب تدخّلاً دولياً.
لا شكّ أنّ لبنان معروف تاريخياً بالتدخلات الأجنبية، وقد شكّلت هذه التدخّلات عوامل استقرار وانهيار في الوقت نفسه، فعندما تتّفق الدول مع بعضها البعض وتُحيّد لبنان عن مشكلات المنطقة، تعيش البلاد فترة استقرار وازدهار، وعندما تختلف هذه الدول مع بعضها البعض ينهار الوضع السياسي وحتى الأمني وعندها تدخل البلاد في المجهول وتنتظر إتفاقاً إقليمياً ودولياً جديداً من أجل "ضبضبة" الأمور وعودة الأمان إلى ربوعها.
ويسود بعض الخجل في مواقف الدول الكبرى تجاه لبنان، وهي إذ تؤكّد حماية التظاهرات السلميّة، فإنها في الوقت نفسه تصرّ على عدم ذهاب البلاد إلى المجهول وحصول فراغ كبير يؤزّم الوضع ويجعل لبنان يعيش أزمة بلدان المنطقة.
وفي السياق، فإن روسيا كانت دائماً مهتمة بالشأن اللبناني، لكنها ترفض الدخول في التفاصيل اليوميّة أو الزواريب السياسيّة وتحافظ على مسافة واحدة من جميع الاطراف السياسيّة، وقد شهدت العاصمة الروسية تظاهرات مؤيّدة للثورة من قِبل اللبنانيين الموجودين هناك والذين اعتصموا أمام السفارة اللبنانية برقيّ وحضارة واستقبلهم السفير اللبناني شوقي بونصّار واستمع إلى مطالبهم.
وتؤكّد مصادر دبلوماسيّة في روسيا لـ"نداء الوطن" أن "لا موقف روسياً من تطوّرات الأزمة اللبنانية حتى الساعة، وهناك صمت ديبلوماسي مطبق وكأن الروس لا يريدون الإدلاء بأي موقف قبل اتضاح الصورة النهائية لمسار الأزمة، وهذا الأمر يدل على حرص روسي على عدم التدخّل في الشؤون اللبنانية وترك الأمور تأخذ مجراها".
وتشدّد المصادر على أنه "لا يوجد موقف روسي رسمي لا تلميحاً ولا تصريحاً"، وتلفت إلى أنه في بداية الإنتفاضة اللبنانية، كان الروس مشغولين كثيراً وغير مهتمين لا بالملف اللبناني ولا بغيره، وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيّب أردوغان يعملان على خط الأزمة السورية ووصلا الى الإتفاق المعروف على المنطقة الحدودية في شمال سوريا، كذلك فإن بوتين كان مشغولاً بالقمة الأفريقية - الروسية لأنها أول قمة من نوعها حصلت وجمعت 44 رئيس دولة أفريقية في سوتشي، علماً أن روسيا كانت قد اعتبرت في العام 2011 أنه تمّ نصب فخ لها من خلال التدخّل الغربي في ليبيا وإخراجها خارج اللعبة الشمال أفريقية، كما أن بوتين زار السعودية والإمارات وأجرى محادثات من أجل حلّ أزمة المنطقة".
وتؤكّد المصادر أن "الموقف الروسي التقليدي هو الحرص على استقرار لبنان وأمنه وعدم الإنجرار إلى العنف، وهي ملتزمة بهذه المسلّمات التي تحمي لبنان ولا توسّع دائرة الإشتباك في المنطقة".
في المقابل، فإن روسيا المتواجدة في المنطقة، لا تريد أن ينحدر أي بلد جديد نحو العنف، وهذا الأمر ينسحب أيضاً على لبنان، لكن وعلى رغم الكلام الذي قيل في بداية الأزمة عن أن موسكو لا تريد رحيل حكومة الرئيس سعد الحريري، إلا أن هذا الكلام يبقى في إطار التكهّنات والتحليلات، فالعلاقة التي تربط بوتين بالحريري هي علاقة قوية ومتينة، لكن هذا لا يعني أن تتدخل روسيا لمساعدة الحريري أو منعه من الإستقالة.
ومن جهة ثانية، تحرص موسكو على ألّا تكون طرفاً في الصراع اللبناني أو تدعم فريقاً على حساب آخر، بل كل ما يهمها هو الحفاظ على استتباب الأمن وعدم ذهاب البلاد إلى أزمة سياسيّة مفتوحة. وبالتالي لن تتدخّل موسكو في الازمة الحكومية التي نتجت بعد استقالة الحريري، وليس لها أي مرشّح لرئاسة الحكومة وهي تصرّ على الإبتعاد عن الزواريب الداخلية، وتعتبر أن هذا الأمر هو شأن لبناني داخلي وعلى اللبنانيين أن يختاروا الدرب التي سيسيرون عليها وفق الأطر القانونيّة والدستوريّة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك