لم يكن ينقصنا، نحن الذين نعيش في بلد يتراقص على حافة الهاوية منذ ما يقارب 3 عقود أعقبت انتهاء الحرب الأهلية، إلا التقلبات في مزاج أصحاب محطات البنزين ومستوردي النفط، وخطواتهم الناقصة، ليمعنوا في إذلالنا.
في "لحظة تخل"، ومن دون سابق إنذار، لكن ربما عن سابق تصور وتصميم، قرر أصحاب محطات البنزين، وفي عز يوم من أيام العمل الرسمي، التوقف عن العمل، من حيث مد الناس بالوقود، على اعتبار أن أزمة شح الدولار في السوق انعكست سلبا عليهم وعلى أرباحهم، لكونهم يدفعون سعر البنزين الذي يشترونه من الشركات بالعملة الصعبة. فلم يجددا أمامهم إلا المواطنين كبش محرقة يصفّون من خلاله حساباتهم مع دولة اعتبروا أنها لم تعمل على حماية حقوقهم. علما أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ذهب بعيدا في "تمييزهم"، فشملهم بتعميمه الشهير الذي ينظم استيراد المواد الحيوية كالنفط والقمح والمحروقات بالعملة اللبنانية، في انتظار حل أزمة شح الدولار.
وإذا كان أصحاب المحطات والشركات المستوردة للنفط والمحروقات لم يتأخروا في رفع صوت الاحتجاج على خطوة سلامة لأسباب غير واضحة، فإن الواضح يكمن في أن لا يمكن أن يلام المواطنون الذين طبعوا مع أزمات لبنانية متناسلة إذا تجمعوا في سياراتهم بالطوابير أمام محطات البنزين ليملأوا سياراتهم بالوقود خوفا من نفاده على غفلة إضراب ما حسبوا له حسابا.
صحيح أن من فرط التطبيع مع الأخطاء والخطايا والترقيع، اعتاد اللبناني أن يتأقلم مع الأزمات، إلى حد أنه بات مضرب مثل في كيفية التكيف والتعامل مع مشكلات لا تعرفها دول العالم المختصر لأنها تعتبرها من البديهيات. لذلك نرى المواطن يرضى بدفع فاتورتي كهرباء ويسكت عن "تنظيم قطاع المولدات" في انتظار تحقيق حلم الحصول على التيار الكهربائي على مدى 24 ساعة، يسعى البعض إلى تصويره إنجازا، ويدفع فاتورتي ماء... لكنه بالتأكيد لم يكن يتوقع أن يبلغ مستوى الاهانة والاذلال بالبعض حد دفع الناس إلى الوقوف بالطوابير أمام محطات البنزين في مشهد معيب ومخز ومخجل، تكرر مرتين في أسبوعين، ويذكر بأيام الحرب السوداء، لا لشيء إلا لأن بعض القيمين على القطاع لا يحققون الأرباح التي يريدون أو يتوقعون!
غير أن الأدهى، يكمن في أن إضراب أصحاب محطات البنزين لم يعمر أكثر من بضع ساعات كانت كفيلة بنشر حال من الذعر في أوساط الناس الخائفين أصلا على المصير و.. الجيب (الفارغ أساسا) والمستقبل. ذلك أن اجتماعهم مع رئيس الحكومة سعد الحريري انتهى إلى خلاصة هي نفسها تلك التي كان الحريري قد توصل إليها معهم إبان إضرابهم السابق.
أمام هذه الصورة، يحق لنا، نحن المواطنين - الضحايا، طرح السؤال البديهي الآتي على المعنيين بالاضراب المفاجئ: ما الذي تغير بين الأمس القريب حتى تفاجئونا بإضراب لا ذنب لنا فيه، ولا علاقة لنا بأسبابه؟ بأي حق تتيحون لأنفسكم إذلالنا إلى هذا الحد؟ لا ذنب لنا في حساباتكم الخاطئة ولا في أطماعكم الكثيرة. إفعلوا ما تشاؤون. لكن ليس على حساب صحتنا وأعصابنا ووقتنا. فنحن في خضم حفلة جنون ستعيدنا إلى أيام الركض بحثا عن ربطة الخبز، (بفعل إضراب أصحاب الأفران الاثنين المقبل)، ما يغنينا عن القرارات المتسرعة بفعل "طمع ضر وما نفع!".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك