من أبو ظبي، افتتح رئيس الحكومة سعد الحريري اليوم سلسلة زيارات سيقوم بها تباعا الى الخارج في الاسابيع القليلة المقبلة. فبعد الامارات، حيث شارك في مؤتمر الاستثمار الاماراتي - اللبناني، من المتوقع ان يزور الحريري ألمانيا، التي يتردد ان مستشارتها أنجيلا ميركل تعد لمؤتمر استثماري مخصص للبنان، على أن ينتقل بعد ذلك الى الرياض مترئسا وفد لبنان للجنة المشتركة اللبنانية - السعودية. ومن الخليج، سيطير الحريري الى موسكو، وبعد ذلك الى باريس، حيث ينعقد اجتماع لجنة المتابعة الاستراتيجية لمؤتمر سيدر في 15 تشرين الثاني المقبل مبدئيا.هدف هذه الجولة، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ"المركزية"، واضح. ففي ظل الوضع المالي - الاقتصادي الدقيق الذي يتخبّط فيه لبنان، والذي اتخذ أحجاما جديدة في الايام الماضية مع خروج أزمة "شح الدولار" في الاسواق، الى الضوء، يسعى رئيس الحكومة عبر طرقه أبواب أصدقاء بيروت، الى انتزاع "دعم" من هؤلاء، على شكل ودائع، هبات، قروض او استثمارات، يساعد بيروت على الصمود في هذه الفترة الصعبة، في انتظار اقرار موازنة 2020 ووضع قطار الاصلاحات على السكة عمليا، تمهيدا لبدء وصول أموال "سيدر" الموعودة الى بيروت. وقد قال الحريري من ابو ظبي اليوم ردا على سؤال عما إذا كان سيتم ضخ سيولة في البنك المركزي "نأمل في ذلك، ونعمل عليه"...
مهمّة الرئيس الحريري كان يمكن ان تكون سهلة أكثر. فالدول الخليجية والعربية والغربية لم تبخل يوما في مساعدة لبنان ولا تأخرت يوما عن الوقوف الى جانبه في الاوقات الصعبة. غير ان حساباتها تبدّلت اليوم، بسبب ما آلت اليه الاوضاع السياسية في بيروت. والحال، ان خرق حزب الله المستمر لسياسة النأي بالنفس وتدخّله في الصراعات العربية سياسيا وعسكريا، من سوريا الى العراق وصولا الى اليمن، مع مواصلته القنص على الدول الخليجية عموما والرياض تحديدا وانتقاده لسياساتها في المنطقة، معطوفة على تأكيده ان لبنان لن يبقى على الحياد في حال تعرّضت ايران لاي اعتداء... كل هذه المستجدات تقلق الدول المانحة التي لا تنظر بعين الرضى الى خروج لبنان عن النأي الذي كان تعهّد التقيد به عشية مؤتمر سيدر، كما انها لا تحبّذ وضعَ اموالها في بلد يمكن ان ينفجر في اي لحظة على يد "حزب" مصنف ارهابيا في معظم الدول الخليجية وفي واشنطن (في حين تدرس دول اوروبية عدة إدراجه على قوائمها (ومنها ألمانيا وبريطانيا)، خدمةً لمصالح دولة اقليمية، تعتبرها ايضا الدول الخليجية والولايات المتحدة، أبرز راعية للارهاب في المنطقة والعالم، اي ايران.
الرئيس الحريري يدرك هذه الحقيقة. ومن هنا، حاول اليوم من الامارات، رسمَ حد فاصل بين الحكومة وحزب الله، وغسل يديه من تصرفات الاخير. فقد أكد في حوار مع وكالة أنباء الإمارات "أنني بصفتي رئيسا للحكومة، أرفض أي تورط لبناني في النزاعات الدائرة حولنا، كما أشدد على أن الحكومة اللبنانية ترفض التدخل أو المشاركة في أي أنشطة عدائية لأي منظمة تستهدف دول الخليج العربي"، مضيفا "اتخذت الحكومة اللبنانية قرارا بعدم التدخل في النزاعات الخارجية أو في الشؤون الداخلية للدول العربية، ولكن مع الأسف يتم انتهاك هذا القرار، ليس من قبل الحكومة ولكن من قبل أحد الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة"، وشدد الحريري على أنه ينبغي توجيه الاتهام إلى حزب الله بوصفه "جزءا من النظام الإقليمي وليس بصفته أحد أطراف الحكومة اللبنانية".
فهل تُقنع مواقف الحريري- وهي ليست جديدة اذ أعلن الرئيس ميشال عون قبله ان ملف حزب الله وسلاحه "اقليمي الطابَع"- الدولَ المانحة؟ أم ان الاخيرة تصر على مسافة أكبر بين الدولة والحزب، وعلى رفض رسمي "واضح" لما يفعله ويقوله، كي تطلق مسار عودتها "فعليا" الى بيروت؟ حتى الساعة، الخيار الثاني يبدو مرجحا..
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك