تردّى وضع تلفزيون لبنان منذ زمنٍ ليس بقليل، ثمَّ ازداد سوءاً مع الوقت ولم يلبثْ أن تفاقم كثيراً منذ نحو ثلاث سنين، إثر عجز حكومة الرئيس تمام سلام ومن بعدِها حكومة الرئيس سعد الحريري - لغاية الآن - عن تعيين مجلس إدارة جديد، بدلاً من الإدارة الموقتة التي كان قد عيّنها قاضي الأمور المستعجلة بناءً لطلب وزير الإعلام الأستاذ وليد الداعوق، الذي لجأ إلى هذا التدبير بعد استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي وفقدانها صلاحيّة تعيين مجلس إدارة جديد.
ولم يكن بوسع الإدارة الموقّتة، بصلاحياتها المحدودة وفي ضوء الخلافات التي نشأت بين عُضوَيْها والعلاقة السيّئة بين المدير الموقّت وقسم كبير من الموظفين، أن تنهض بتلفزيون لبنان، فتدهور الوضعُ بسرعة؛ ثم عزل المدير الموقت ولم تُعيّنْ إدارة جديدة، فأصبحت هذه المحطة كسفينةٍ مثقوبةٍ في بحر هائج لا قائد لها مهدَّدة بالغرق.
يومَ كنتُ وزيراً للإعلام في حكومة الرئيس تمام سلام سعيتُ جاهداً إلى تعيين مجلس إدارة جديد، فقدّمتُ إلى مجلس الوزراء تقريراً شرحتُ فيه أوضاع المحطة، والأهداف التي ينبغي لنا أن نسعى إلى تحقيقها، عن طريق إعادةِ نظرٍ شاملة في برامجها، مذكّراً بما جاء في القانون الفرنسي للعام 1986 الذي نصّت مادته 43-11 على أنّ مِن واجب الإعلام أن يقدّم للجمهور، بجميع مكوّناته، مجموعة من البرامج تتميّز بتنوّعها ومستواها وابتكارها واحترامها لحقوق الإنسان والمبادئ الديموقراطية المحدَّدة في الدستور، وأن يشجّع كذلك، في مختلف برامجه الإخبارية والثقافية والترفيهية والرياضية، الحوارَ بين جميع شرائح المجتمع والانصهارَ الوطني وفكرة المواطنة...
كما قدّمت إلى مجلس الوزراء اقتراحاً بتعيين رئيس وأعضاء مجلس إدارة تلفزيون لبنان مرفقاً به أسماءَ مَن اقترحتهم لهذه المراكز، فلم يُقَرّ اقتراحي، بسبب الانقسام الحادّ القائم وقتذاك بين مكوّنات الحكومة واعتماد آلية أدّت الى شلّ عملها طيلة فترة الشغور الرئاسي.
أما اليوم، إثر انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتأليف حكومة الرئيس سعد الحريري، فلم تعد الآلية تلك قائمةً أو مبرَّرة، وبات بإمكان مجلس الوزراء إجراء التعيينات وفقاً للآلية الملحوظة في المادة 65 من الدستور. وبالفعل لقد تمكّنت الحكومةُ من إتمام التعيينات الديبلوماسية والتشكيلات القضائية، أيّاً تكن التحفّظات عليها، لجهة اعتمادها المحاصَصة معياراً بديلاً عن الكفاءة والجدارة.
فلماذا لم يتم حتى الآن تعيينُ مجلس إدارة جديد لتلفزيون لبنان؟
هل يعود ذلك إلى رغبة فريق سياسي في الاستئثار بمراكزه جميعاً من رئيس وأعضاء من دون إعطاء حصّة لسواه ورفض سائر الفرقاء هذا الاستئثار؟
أم إنّ مجلس الوزراء يعتبر ضمناً أنّ تلفزيون لبنان ليس مرفقاً حيوياً ضرورياً ولا حاجة لإنعاشه، لكي يستفيقَ من غيبوبته ويعود الى الحياة فتصبح تكلفته عالية على الدولة في ظروف مالية صعبة.
أيّاً كان السبب الحقيقي، فإنه غير مقبول. ذلك أنّ التلفزيون العام حاجةٌ وطنية، في ظلِّ ارتباط أكثرية محطات التلفزيون الخاص بأطراف سياسية متنافسة - لكي لا نقول متخاصمة - وفقدانِها لهذه العلّة في بعض الأحيان ميزةَ الموضوعية في نقل الأخبار والتعليق عليها وفي مضمون الحلقات والحوارات السياسية التي تنظّمها.
أما تلفزيون لبنان المستقلُّ عن أيِّ جهة حكومية أو معارضة فبوسعه أن يلبّي رغبة المشاهد في تلقّي الخبر الصحيح والرأي الموضوعي من مصدر تلفزيوني واحد، هو التلفزيون العام، من دون أن يكون بحاجة إلى الانتقال من محطة خاصة إلى محطة خاصة أخرى، بحثاً عن الخبر الصادق والرأي الرصين.
وإنّ استجابة حقّ المشاهد بأخبار وتعليقات سياسية موضوعية تبرّر بحدّ ذاتها قيامَ تلفزيون لبنان.
فضلاً عن ذلك ليس من الجائز أن تكون للأحزاب السياسية محطاتها التي تبث من خلالها أفكارَها وتروِّج لها، ولا تكون للدولة، بما تمثل على صعيد الوطن، محطة مستقلة عن الأحزاب تسعى إلى تحقيق المصلحة العامة وتلبية حاجات المواطنين.
من هنا، إنّ وجود تلفزيون عام في لبنان ضرورة وطنية لا يرقى الشك إليها وإنقاذه قبل فوات الأوان واجب على الدولة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك