فيما "الهدوء" و"المهادنة" يطبعان في الآونة الاخيرة مقاربات الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للأوضاع المحلية الداخلية، فإنّه يتحدّث بنبرة عالية فيها الكثير من التحدي في القضايا الاقليمية والدولية، ولسانُ حاله ان "المحور الايراني في المنطقة منتصر وهذا ما يزعج السعودية واسرائيل" التي يتوعّدها بهزيمة لم تعرفها من قبل اذا اعتدت على لبنان. غير أن أجواء التفوّق هذه التي يشيعها نصرالله، ليست الا لشدّ عصب جمهور "الحزب"، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ"المركزية"، ذلك انها لا تعكس حقيقةَ ما يشعر به اليوم "حزبُ الله" خصوصا والمحورُ الذي ينتمي اليه، عموما.
فبحسب المصادر، تكاد تكون الفترة هذه الأصعب التي يمرّ بها "الحزب" منذ عقد تقريبا، لاعتبارات كثيرة أبرزها أوّلا، ما آلت اليه المستجدات السورية حيث قطافُه "ثمارَ" التضحيات الكثيرة التي قدّمها في الميدان لا يزال غير مضمون، لا سيما في أعقاب التقارب السعودي - الروسي غير المسبوق والزيارة "التاريخية" للملك سلمان بن عبد العزيز الى موسكو. ثانيا، رزمة العقوبات الاقتصادية الجديدة التي يقترب الكونغرس الاميركي من إقرارها، ومن شأنها خنق "الحزب" ماليا وتجفيف منابع تمويله، وقد بدا لافتا في السياق اقرار نصرالله بأنها ستؤثر على "حزب الله" لكن تأثيرها "جزئي وهي لن تغير في موقفنا في مواجهة العدو الاسرائيلي" على حد تعبيره.
كل ذلك، في وقت يرتفع منسوب الحديث عن قرار سيتخذه الرئيس الاميركي دونالد ترامب، بالخروج من الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة سلفه مع ايران ويإدراج الحرس الثوري الايراني على لائحة الارهاب، فيما من غير المستبعد ان يكثّف نشاط دبلوماسيّته لاستصدار قرارات دولية تصنّف الحرس الثوري وكلّ التنظيمات المتفرّعة منه ومنها "حزب الله"، منظّمات ارهابية.
انطلاقا من هذه العوامل كلّها، تشير المصادر الى ان ما يعيشه "الحزب" اليوم يشبه الى حد كبير المرحلة التي سبقت صدور القرار 1559 واغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 2005، حيث كانت المناخات الداخلية والدولية تتبدّل وتنبئ بتغييرات جذرية، فكان أن حصل الانسحاب السوري من لبنان في آذار 2005 قبل ان تبصر المحكمةُ الدولية النور وتتّهم عناصر من "حزب الله" بالضلوع في اغتيال الرئيس الحريري.
واذ تقول إن "الحركة الدولية اليوم ولا سيما الاميركية، شبيهة بتلك التي كانت عام 2005 وهي لا تطمئن "الحزب"، تلفت الى ان ما يفاقم قلق الضاحية من قرار بتفكيكه، أن هذا التوجّه الغربي التصعيدي يتلاقى مع آخر عربي وتحديدا خليجي - سعودي حيث انتقلت الرياض في الاشهر الماضية من موقع المهادنة والدفاع عن النفس، الى موقع المواجهة وحتى الهجوم، واضعة نصب عينيها تطويق النفوذ الايراني في المنطقة وتحجيم القوى التي تدور في فلكه وأبرزها "حزب الله"، وقد بات التصدي له من أولوياتها حيث لا ينفك مسؤولو المملكة يصوّبون عليه، ولا يخفون رغبتهم بمحاربته. وقد دعا وزير الدولة لشؤون الخليج ثامر السبهان منذ أيام الى إنشاء "تحالف دولي صارم لمواجهته ومن يعمل معه، لتحقيق الأمن والسلام الإقليمي"، معتبرا ان العقوبات الاميركية جيدة لكنها غير كافية.
وفي عود على بدء، تختم المصادر "ان "الحزب" الذي يستشعر بكمّاشة تطبق عليه من الشرق والغرب، يحتاج الى "مهادنة" القوى السياسية المحلية وإبقاء الاستقرار السياسي ثابتا في الداخل من جهة، والى التهويل على خصومه الاقليميين، من جهة ثانية. فهل تنفع استراتيجيته هذه في حمايته أم ان قرارا دوليا كبيرا اتخذ بإنهاء "سلاحه"؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك