ليس ظلماً إن قلنا إن الحياة تقسو في كثير من الأحيان على الضعفاء من البشر، بل الظلم بأن لا نشعر بأولئك الباحثين عمّن يحمل ثقل المعاناة معهم، ولو بكلمة أو ربما بعناق.
ليس ظلما إن قلنا إن ضعفاء النفس هم من يلجأون إلى إنهاء حياتهم بأنفسهم فهي حقيقة لا لبس فيها، بل الظلم يكون بأن لا نرى الاستسلام في وجوه هؤلاء، وأن لا نلتفت إلى نفسهم المعذّبة، فنبعد عنهم هذه الكأس... من قال إننا عاجزون عن إبعاد الموت عنهم؟
نادرا ما يعيش الإنسان حياته كاملة من دون ان تخطر فكرة الانتحار على باله، ولو ليوم واحد، أو ساعة واحدة، أو ربما لحظة سوداء واحدة... من أسخف الأسباب ربما إلى أعظم المصائب، كلها تولّد لدينا شعورا باليأس أو الاستسلام، وكأن أبواب الدنيا كلها أقفلت في وجهنا، فنشعر بأننا مظلومون أو قد يمرّ طيف الوحدة بالقرب منا، وهنا يُغربل البشر: بين من يلملم جراحه ومآسيه وينهض يبحث عن كوّة أمل ما، وبين من يلجأ إلى النهاية الأسهل، حيث الموت يخلّصك من عناء المحاولة من جديد...
منذ نعومة اظافرنا تتغلغل فكرة الموت في احيان كثيرة في رؤوسنا، حينما نرسب في امتحان أو نتعرض لموقف محرج في المدرسة مثلا، أو ربما حينما نواجه أول خيبة عاطفية... ومع تقدّمنا في العمر، لا تتزحزح الفكرة من عقولنا، إنما ما يتغير هو طبيعة المشكلات التي نصادفها فهي تتطوّر وتصبح أعظم، وهنا "المصيبة اكبر".
في لبنان، دُقّ ناقوس الخطر منذ فترة بعدما بيّنت الدراسات ارتفاعا ملحوظا بنسبة الانتحار خلال السنوات الأخيرة، حيث أن المعدّل العام يشير إلى أن شخصا واحدا ينتحر كلّ ثلاثة أيام، وتتنوع الاسباب بحيث تحتل المشكلات المادية والفقر والعجز عن تسديد الديون المرتبة الأولى، تليها المشكلات العاطفية أوالحياة الزوجية غير السعيدة، إضافة إلى التعرض للعنف الزوجي أو لسوء المعاملة، وتأتي من بعدها إصابة الفرد بمرض مزمن ومستعص مما يدفعه إلى الانتحار لوضع حدّ للأوجاع، فيما تحتل المشكلات النفسية والمعاناة من النبذ الاجتماعي المرتبة الأخيرة.
ولهذه الغاية، أقدمت الشابة سيلين عون على طرح فيديو جريء يضع الإصبع على الجرح من خلال الإضاءة على خطورة الاكتئاب وعدم الانتباه لمن يحتاجون مساعدتنا بأبسط الوسائل الممكنة. حيث قامت بتصوير فيديو بالاسود والأبيض على اعتبار انها فتاة اقدمت على الانتحار قبل سنة، وهي تخبر عن وجعها لرؤية اهلها وأصدقائها يتألمون من بعدها، وهي التي كانت تظنّ ان احدا لن يلاحظ غيابها وأن أحدا لا يحبّها...
الفيديو المرفق إنما يعبّر عن وجع يمكن استباق وقوعه، من خلال التوعية على خطر الاكتئاب وإحاطة المقريبن منا بالاهتمام اللازم والتوقف عند كلّ كلمة يقولونها، وعند كلّ معاناة يحاولون نقلها إلينا من خلال الكلام أو الإشارات البسيطة لنمنع ضعيفا من إنهاء حياته، وإنهاء حياة كلّ من يحبّونه!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك