الأسباب والعوامل التي تجعل اللبناني يكفر بالدولة وينقم على المسؤولين تكاد لا تحصى. في الداخل كما في الخارج. وفي ظلال الزيزفون وهَـ الكم أرزة العاجقين الكون كما في براري المهاجر والمغتربات وغاباتها.
هنا، سواءً في السلم أم في الحرب، لا يشعر المواطن بأي وجود للدولة والسلطة والقوانين، إلاّ في حالات نادرة. وربما اقتصر هذ الوجود على موظفي تحصيل الضرائب وجباية فواتير الكهرباء والماء وما الى ذلك...
أما هناك في دنيا الانتشار، فالحال أسوأ بكثير. وخصوصاً عندما يتحوَّل اللبناني المغترب هدفاً أساسيّاً للغاضبين والناقمين على حكّامهم، وحين تصير تحويشة العمر وباب الرزق من أوليَّات المتمردّين والباحثين عمَّن يتهمونهم بسرقة ثروات بلادهم وخيراتها.
هكذا، يغدو اللبناني بين شاقوفين. ومعهما اللقمة المغمَّسة بالدم.
هذه المحنة المعضلة المزمنة، يواجهها كل لبناني لا ينتمي الى عائلة سياسية، أو فريق سياسي، أو ميليشيا طائفية، أو طائفة مسلَّحة، أو تيّار يقوده أُناس لا يعترفون بالقوانين والروادع والموانع.
في الداخل كما في الخارج كما في كل مكان وكل زمان. ومَنْ لا "ظهر" له ولا "حُماة" ليس عنده سوى الدولة. فيضطر أن يلجأ اليها طالباً حمايته من أبناء الدويلات وأهلها وأصدقائها ومحازبيها، فيعود أدراجه خالي الوفاض، وبخفيّ حنين.
فراغ. فراغ حكم وحكام. فراغ شامل وكامل. وعلى كل المستويات.
لا مرجعيَّة. لا سلطة. لا قانون.
لا مؤسّسات... الا عندما يكون الأمر متصلاً بفئة أو بفرد أو بجماعة تنتمي الى أهل النفوذ، وأهل الكلمة التي لا تُردّ.
بالطبع، تتذكَّر هذه الوزارة أو تلك، وخلال أحداث واضطرابات خطيرة، ان ثمة مغتربين لبنانيين في هذا البلد الأفريقي، أو تلك العاصمة العربية، أو هاتيك الدولة الآسيوية، أو على تخوم تلك الصحراء. ولكن بعد أن يكون اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب.
وبعد أن يكون المتظاهرون والثائرون الغاضبون قد سلبوا ونهبوا وأحرقوا ودمروا، ولم يبقوا خلفهم من جني العمر وعرق الجبين سوى الدم والريش.
ولكن، ماذا نعمل؟
الشباب هنا، سياسيّو "العرين"، مثلا، منهمكون بوضع العصي أمام دواليب تشكيلة نجيب ميقاتي التي لم يتح لها بعد أن ترى النور.
وهيهات، ما دام الرئيس المكلف لا يعطي ثلاثة أرباع الحكومة وكل الوزارات السياديَّة والمدرارة لـ"التيار" و"الحزب" ومَنْ يدور في فلكهما.
وسيَّان عند هؤلاء إن نُهبَت أَموال المغتربين، أو أُحرقَت منازلهم ومتاجرهم، أو اختطفوا وغُيِّبوا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك