عقد المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، جلسة برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، في دار الفتوى، في حضور الرئيس فؤاد السنيورة، وكان بحث في الشؤون الإسلامية والوطنية والتطورات المحلية.
وأصدر المجلس بياناً، تلاه عضو المجلس الشيخ فايز سيف قال فيه: "توقف المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى بألم واستغراب شديدين أمام ظاهرة التعثر المتمادي في معالجة الأزمة الخانقة التي تعصف بلبنان، والتي تؤكد الوقائع أنها في أساسها من صنع يد المسؤولين أنفسهم نتيجة قصر النظر وسوء التصرف، والحكم السديد يكون باستشراف المستقبل والتزام قواعد الأخلاق والأمانة والمسؤولية".
أضاف: "إن الإمعان في ارتكاب المحرمات الوطنية المتمثلة في انتهاك الدستور وضرب وثيقة الوفاق الوطني عرض الحائط، وإخضاع المصالح العليا للدولة لخدمة منافع شخصية وخاصة وأخرى خارجية، هو إمعان في الإساءة الى لبنان الوطن، وإمعان في الإساءة الى علاقات لبنان الأخوية مع الدول العربية، وهو كذلك إمعان في نسف جسور الاحترام والتعاون مع المجتمع الدولي. والمجلس الشرعي يستهجن بشدة هذا التمادي في الإساءة الى لبنان، دولة وشعبا ودورا، الى حد محاولة تجريده من هويته العربية، وتشويه هذه الهوية والعبث بها، وذلك من خلال الإساءات المتعمدة والمتكررة الى إخوانه في الأسرة العربية الواحدة الذين وقفوا معه قديما وحديثا في السراء والضراء، ولم يترددوا في دعمه ومساعدته معنويا وماديا، من أجل المحافظة على استقلاله وسيادته وعمرانه وحرياته ووحدته الوطنية وأمنه المجتمعي. وبدلا من التوجه اليهم بالتقدير والثناء والامتنان الذي يستحقونه، وفي مقدمتهم إخواننا وأهلنا في المملكة العربية السعودية، وفي دول مجلس التعاون، يتسابق بعض المسؤولين الى رميهم بحجارة التنكر والإنكار. وهم لا يفعلون ذلك من خلال ارتكاب موبقات الافتراء والكذب والتشويه فحسب، ولكن أيضا من خلال محاولات ترقيع تلك الموبقات واحتوائها. فإذا بالتصحيح يكشف عما في النفوس من خبث وكراهية، وفي العقول من قصر نظر".
وتابع: "إن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى يعرب عن اعتقاده بأن أخطر وأسوأ ما يواجهه لبنان اليوم، هو أن يتولى ملف العلاقات الأخوية مع الدول العربية من لا يؤمن بهذه الإخوة. من أجل ذلك، يحذر المجلس من النتائج الكارثية لهذه السياسة اللا أخلاقية واللا وطنية واللا عروبية، وينبه إلى خطورة المضي قدما في هذا النهج التدميري للعلاقات الأخوية مع الأشقاء والأصدقاء. ويذكر المجلس أولي الأمر بخاصة، واللبنانيين بعامة، بأن الدول العربية الشقيقة لم تتردد في مد يد العون للبنان، معنويا وماديا، خلال كل مراحل الأزمات التي مر بها. والحد الأدنى من الوفاء لهذه الدول أن نقول لها شكرا . الانتماء العربي ونظام المصلحة العربية صون للبنان، وتجاهلهما خيانة وطنية كبرى".
وقال: "في المجال الوطني، يؤكد المجلس الشرعي دعمه ووقوفه لجانب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي أطلق موقفا حازما بوضع خريطة طريق يبنى عليها للخروج من المأزق الذي يعيشه لبنان في علاقاته مع أشقائه العرب وبخاصة المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، ودعا المجلس الشرعي الفرقاء كافة على الساحة اللبنانية، الى التعاون مع رئيس الحكومة لاحتواء تداعيات هذه العاصفة للخروج من الأزمة التي ينبغي أن تحل لبنانيا أولا بعدم إطلاق المواقف غير المسؤولة تجاه السعودية وسائر دول الخليج العربي والتي لا تشبه اللبنانيين الحريصين على أصالتهم العربية وعلاقاتهم مع أشقائهم العرب، فإن التعنت والاستمرار بالمكابرة والتشبث بأي موقع وزاري لأسباب سياسية وكيدية، يتناقض مع المصلحة اللبنانية ومؤذ للبنانيين داخليا وخارجيا. فلتتقدم المصلحة الوطنية على أي اعتبار آخر تجاه المملكة العربية السعودية والخليج العربي، ولا يمكن لأي فريق لبناني أن يبني لبنان على مقاس مصالحه الخاصة".
أضاف: "شدد المجلس الشرعي على أن مجلس الوزراء هو المكان الطبيعي لمعالجة أي قضية، وتعطيل عقد جلساته من البعض، يتعارض مع مصلحة بناء الدولة القوية العادلة وبناء مؤسساتها. وتوقف المجلس بقلق أيضا أمام محاولات عرقلة التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت التي تعتبر من أفظع الكوارث التي حلت بالإنسانية في القرن الواحد والعشرين. وجدد دعوته إلى مواصلة التحقيق بشفافية وشمولية، من خلال رفع الحصانة عن المسؤولين جميعا الذين يفترض أن يشملهم التحقيق، على أن يكون التحقيق في هذه القضية مع الرؤساء والوزراء من خلال المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، استنادا إلى الدستور. فالقضاء أمام فرصة تاريخية لاستعادة ذاته وإثبات قدرته وعدالته من خلال الترفع عن أي شكل من أشكال الاستنسابية والانتقائية والتبعية أو المحاباة لأي جهة سياسية أو حزبية، مع تأكيد المجلس اللجوء الى التحقيق الدولي في جريمة انفجار المرفأ، إذا تعذر المصير الى الاستقامة في التحقيق بحسب الدستور والقوانين المرعية الإجراء. ولا ينبغي أن يصبح القضاء مخلبا للاقتصاص من الخصوم السياسيين. إن اللبنانيين جميعا وليس أهل الضحايا فقط، تواقون لمعرفة الحقيقة كاملة غير منقوصة، لإيقاع العقوبات بحق كل من تثبت عليه تهمة المشاركة أو التواطؤ أو الإهمال".
وتابع: "شدد المجلس على ضرورة تطبيق العدالة والإنصاف في أحداث خلدة، بتوحيد المعايير، وعلى ألا يلحق الظلم والتجني بالمواطنين في خلدة وجوارها، ويكون التحقيق شفافا وغير مسيس لمصلحة هذا الفريق أو ذاك. وأعرب المجلس عن حزنه وألمه الشديدين لسقوط الضحايا في حادث الطيونة - عين الرمانة، آملا ألا تتكرر مثل هذه الحوادث التي تهدد السلم الأهلي وتثير النعرات الطائفية وتؤدي الى إشعال الفتنة. ويشدد على أهمية دور الجيش والقوى الأمنية في حفظ الأمن ومتابعة القضاء في إنصاف المواطنين. الحرب تبدأ عندما تنتهي السياسة، فلنعد الى الحوار الوطني والى تمكين الحكومة من القيام بمهامها".
وختم: "كذلك توقف المجلس أمام استمرار الأزمة الاقتصادية بنتائجها الاجتماعية المدمرة، والتي ينوء تحتها الشعب. ودعا الحكومة الى معالجة خلافاتها الداخلية، وبدء العمل في تنفيذ البرامج الإصلاحية التي تعهدت القيام بها في البيان الوزاري وحصلت على ثقة مجلس النواب على أساسه. لا غنى عن حكومة وسلطة إجرائية، إنما لا بد من أن تكون قادرة على العمل والفعالية".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك