المكان عبارة عن آلاف الخيام الممتدّة على مساحة شاسعة في شمال شرق سوريا، تحدّه الأسلاك الشائكة من كلّ الأطراف ويخضع لأعين كاميرات وأبراج المراقبة. إنه مخيّم «الهول» في مدينة الحسكة السورية الذي يبعد 13 كلم عن الحدود السورية - العراقية، يبدو من بعيد وكأنه مدينة من خيام تأوي آلاف النازحين، لكنه من قريب يضمّ أكبر تجمّع لأفراد من عائلات مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية»، الذي أراد ذات يوم إقامة خلافته في المنطقة.
هذه المعضلة الأمنية التي يشكلها هذا المخيّم وقاطنوه، جعلت منه مصدر قلق و»قنبلة موقوتة» قد تنفجر في أي لحظة إذا لم يتمّ إفراغه وإقفاله بشكل نهائي.
تاريخ المخيّم
في الأصل، أنشئ المخيّم في عام 1991 لاستضافة اللاجئين العراقيين الفارين من حرب الخليج الثانية. في عام 2003، عاد ليستقبل السكان بعد الغزو الأميركي للعراق. وأدّى ظهور «داعش» والعمليات العسكرية المرتبطة بمحاربته إلى فتح المخيّم من جديد لإيواء النازحين السوريين واللاجئين العراقيين عام 2016.
تشرف على المخيّم «الإدارة الذاتية» لشمال وشرق سوريا من خلال «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، التي يُشكّل المقاتلون الكرد عمودها الفقري. ويقطن المخيّم اليوم نحو 40 ألف شخص، غالبيّتهم من النساء والأطفال من عوائل مقاتلي «داعش»، معظمهم من السوريين والعراقيين، إضافة إلى آخرين من أكثر من 50 جنسية عربية وأجنبية.
عوائق العودة
وضعت «قسد» خطّة لإفراغ المخيّم وإعادة اللاجئين إلى البلدان التي يحملون جنسيّتها، وهي قد بدأت بالفعل بتطبيقها. وإذ نجح التنسيق بين «قسد» والحكومة العراقية في استعادة 21 دفعة من العائلات العراقية حتى الآن، إلّا أن هذا التعاون العراقي لا ينطبق على البلدان الأجنبية الأخرى التي لها رعايا داخل المخيّم، إذ ترفض معظم هذه الحكومات، خصوصاً الأوروبّية، استعادة رعاياها بسبب الوصمة الداعشية التي تلاحقهم وصعوبة إعادة دمجهم في مجتمعاتهم.
كما أن الكثير من هؤلاء النازحين دُمّرت منازلهم ويرفضون مغادرة المخيّم إلى المجهول. أمّا بالنسبة إلى الأطفال، فتُعدّ رحلة عودتهم أكثر تعقيداً، إذ لا يملك معظمهم وثائق مدنية، ما يحدّ من وصولهم إلى الموارد والخدمات.
المصير المجهول
ومع دخول سوريا مرحلة جديدة، ارتفع منسوب القلق وازدادت التساؤلات حول مصير مخيّم «الهول»، فرغم أن المجتمع الدولي متفق على الخطر الذي يُشكّله هذا المخيّم، يظلّ الإجماع حول ما يجب فعله ضئيلاً.
وأتى قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعليق المساعدات الخارجية الأميركية موَقتاً ليزيد المشهد تعقيداً وسلبية في المخيّم، حيث توقّفت عن العمل أبرز المنظمات العاملة، ما زاد المخاوف من فرار المحتجزين من «داعش» إلى خارج المخيّم، وتهديدهم الأمن والاستقرار في سوريا ودول الجوار.
وإزاء هذا الواقع المعقّد، تواجه «قسد» وحيدة مسؤولية إدارة مخيّم «الهول» من دون أي معين، في وقت تتخبّط فيه بين مصيرها الذي لا يزال مجهولاً في شمال شرق سوريا، ومصير الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، الداعم الأساسي لها، في ظلّ تأكيد ترامب عدم رغبة الولايات المتحدة الانخراط في سوريا.
رغبةٌ أعادت واشنطن التعبير عنها على لسان القائمة الموَقتة بأعمال الممثل الدائم للولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة السفيرة دوروثي شيا أمام مجلس الأمن الأربعاء، بقولها إن المساعدات الأميركية لإدارة وتأمين معسكرات في شمال شرق سوريا لا يُمكن أن تستمرّ إلى الأبد. وحضّت الدول على استعادة مواطنيها النازحين والمحتجزين. فهل تستجيب هذه الدول فعلاً أمام خطر تفجّر «برميل بارود» أكبر مخيّمات النازحين واللاجئين؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك