كتب شارل جبور في "نداء الوطن":
شكّل سقوط النظام السوري تطوراً بالغ الأهمية وتحديداً لجهة خروج الدولة - الجسر من المشروع الإيراني الذي خسر دفعة واحدة ثلاث أوراق استراتيجية ساهمت في توسُّع مشروعه الإقليمي: الورقة السورية، الورقة اللبنانية والورقة الفلسطينية.
الخسارة الإيرانية لا تعوّض، وتشكل ضربة بنيوية لمشروعها التوسعي الذي أُخرج من ثلاث ساحات و"الحبل على الجرار"، والتوصيف الأفضل للواقع الإيراني ما قاله مدير إدارة العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع "ما قمنا به وأنجزناه أعاد المشروع الإيراني في المنطقة 40 سنة إلى الوراء".
وانتقال المسرح السوري من ضفة إلى أخرى، ستكون له مفاعيل سياسية في أكثر من اتجاه، إن على المسرح العراقي أو اللبناني، هذا فضلاً عن مستقبل سوريا وموازين القوى في المنطقة، ولكن الارتدادات المباشرة لهذا الحدث الضخم كانت لبنانية وفورية، حيث شعرت شرائح واسعة إن على مستوى جماعي أو فردي بنشوة سياسية، ويمكن الحديث في هذا الإطار عن أربع نشوات أساسية:
النشوة الأولى مسيحية: إن أقدم مواجهة لنظام الأسد وأشرسها كانت مع الجماعة المسيحية في لبنان، وبدأت مع السنوات الأولى للحرب، حيث كان يعتبر أن كسر المسيحيين يشكل المعبر لسيطرته على لبنان ترجمة لعقيدته التي لا تعترف بدولة لبنانية، وتنفيذاً لمشروعه التوسعي. شكل المسيحيون الحاجز أمام إلحاق لبنان بسوريا، وقام "النظام" بكل ما يمكن عسكرياً وسياسياً لإزالة هذا الحاجز، وما فشل في تحقيقه في الحرب، نجح بمشروعه في الانقلاب على "اتفاق الطائف" مستفيداً من اجتياح صدام حسين الكويت، فضرب الخط المسيحي السيادي وأطبق سيطرته على لبنان.
الشعور المسيحي بالنشوة طبيعي بعد صراع مع نظام امتد إلى خمسة عقود، ويشكل سقوطه ثأراً بمفعول رجعي، وفرصة بمفعول مستقبلي مع قطع الطريق على السيطرة الإيرانية على لبنان، وإنهاء آخر المشاريع المقوِّضة للسيادة اللبنانية، وفتح الطريق أمام قيام الدولة الفعلية.
النشوة الثانية سنّية: عانى السنة في سوريا ولبنان من بطش نظام الأسد الذي تربّع على حكم دولة مركزية بأكثرية سنّية، وفتك بأهل السنّة وتعامل مع طرابلس بالطريقة نفسها التي تعامل فيها مع الأشرفية وزحلة، وأبعدهم عن الاتفاق الثلاثي الذي أسقطه الدكتور سمير جعجع، وأخضعهم لمشيئته، ومن خرج منهم عن طاعته كان مصيره الاغتيال والإبعاد وبالحد الأدنى التهميش والنسيان.
والنشوة السنّية سببها التخلُّص من نظام الأسد ومن الدور الإيراني وعودة الحكم في سوريا إلى السنة، والانتقام بمفعول رجعي أيضا، والشعور بوجود سلطة داعمة لخياراتهم وتوجههم.
النشوة الثالثة درزية: لا تُختصر الفرحة الدرزية بالانتقام للمعلِّم كمال جنبلاط ومحاولة اغتيال مروان حمادة، ولا بالتهديدات التي طالت النائب السابق وليد جنبلاط، إنما تتعدى ذلك إلى رفع يد النظام عن دروز سوريا، وربط الخط الجامع بين الموحدين في رؤوس الجبال في كل من إسرائيل ولبنان والجولان، هذا فضلاً عن ارتياحهم النفسي في تموضعهم داخل الكنف السنّي.
النشوة الرابعة شيعية: المقصود هم الشيعة خارج الثنائي الحزبي الشيعي الذين عانوا من سطوة هذا الثنائي على الحياة السياسية، ودفعوا ثمن فائض القوة، ويشعرون بالتحرُّر من هيمنة وسطوة السلاح والتهديد، صحيح أن "حزب الله" كان يخطف قرار الدولة الاستراتيجي، لكن الحياة السياسية داخل البيئات الأخرى كانت طبيعية باستثناء البيئة الشيعية.
السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه النشوات ستقود إلى إعادة توحيد اللبنانيين حول مشروع الدولة في لبنان الذي يشكل مظلة الأمان الوحيدة للبنانيين، أم ستقود إلى انقسامات جديدة تُبقي الوضع اللبناني في دائرة الفوضى السياسية والدولة المعطلة؟
من الثابت أن المشروع الإيراني التخريبي انتهى في لبنان، ومن الثابت أيضاً أن السلاح الوحيد هو سلاح الدولة، ومن الثابت أيضاً وأيضاً أن لبنان طوى في 27 تشرين الثاني و 8 كانون الأول آخر صفحات تخريب الممانعة لأمنه واستقراره، لكن هل هذا الأمر كاف للاتفاق على مشروع دولة فعلية تعيد لبنان سويسرا الشرق؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك