كتبت آمال خليل في "الأخبار":
«دُمّر قلبنا مع قلب النبطية». عبارة وحّدت أبناء المدينة منذ ليل السبت الماضي، عقب استهداف العدو الإسرائيلي وسط السوق التجاري، ما أدى إلى تدمير مربع كامل من الأبنية والمحال شكّلت نواة الحركة الاقتصادية في حاضرة جبل عامل منذ عقود طويلة.
لم يبق من نادي الإخاء الثقافي و»لوكاندة زهرة الجنوب»، سوى صور في أرشيف علي مزرعاني عن النبطية. الباحث التاريخي الذي وثّق تراث المدينة، وقف متحسّراً على المباني والساحات التي تحوّلت إلى أكوام من الدمار. «هنا يقام سوق الإثنين الشعبي منذ نحو 500 سنة. وهناك منازل ومحال يعود بناؤها إلى القرن التاسع عشر. وبينها، ارتفع أول مبنى شُيّد على الطراز الحديث عام 1930 على يد علي الصباح الذي حمل تصميمها معه من المكسيك، إضافة إلى بناية المقاصد وموقف سيارات خط النبطية – صيدا – بيروت. في زاوية أخرى، صمد محل حلويات بدر الدين وساعات مقلد ومكتبتا محمود حجازي وهاني الزين منذ الخمسينيات وبجانبه خرضوات محيي الدين التي افتُتحت في الأربعينيات». يشير مزرعاني إلى أن هذا المربع شكّل اللبنة الأساسية لسوق النبطية، جامعاً مكاتب النواب والمنابر الثقافية مع «الخضرجي» واللحام والباعة المتجوّلين وبائعي القهوة والصرافين والإسكافيين ومقاهي نجم وطه... ومن حول هذا المربع، كانت تدور مسيرات عاشوراء باتجاه الحسينية. ومنه كانت تنطلق التظاهرات المطلبية والحقوقية. وعلى شرفة نادي الإخاء، كان يطلّ الخطيب ليخطب بالحشود.
ليست المرة الأولى التي يتعرض لها هذا الجزء من السوق لاعتداءات إسرائيلية. يؤرّخ مزرعاني صوراً تظهر الدمار الذي لحق به منذ الاجتياح الصهيوني عام 1978، مروراً بالاجتياح عام 1982 ولاحقاً خلال الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة من عام 1993 إلى عام 2006. لكنّ الدمار كان جزئياً ولم يكن شاملاً كما في الغارات الأخيرة، بحسب عضو بلدية النبطية صادق إسماعيل، لافتاً إلى أن «القيمة المعنوية للسوق المُدمّر أهم بكثير من قيمته المادية على ضخامة حجمها». حوالي 200 مؤسسة ومحل دُمّرت كاملاً، إضافة الى عشرات المحال الأخرى التي تضررت جزئياً جراء الغارات العنيفة ليل السبت، مشيراً إلى أن «ثمانية مبان ضخمة متلاصقة سُوِّيت بالأرض ونتوقع أن تتضح أضرار أكبر في المباني الأخرى». يؤكد إسماعيل أن إسرائيل تعمّدت قصف السوق لما يمثله من تراث عميق. «سوق النبطية عمره أكبر من عمر الكيان الصهيوني. وهناك منازل دمّرتها الغارات في الأيام الأخيرة، يفوق عمرها عمر إسرائيل بضعفين كمنزل آل شاهين في حي الميدان ومنزل كامل ضاهر في حي الراهبات».
ومنذ تصاعد العدوان الإسرائيلي في 23 أيلول الماضي، تشهد أحياء مدينة النبطية غارات يومية. مع ذلك، لا يزال عدد من أبنائها صامدين. وفي هذا الإطار، لفت إسماعيل إلى أن عمل البلدية وفرق الإسعاف يتم تحت ظروف صعبة، ولا سيما تحليق المُسيّرات على علو منخفض بشكل دائم. مع ذلك، يعمل عدد من المسعفين على تفقد الصامدين في منازلهم وتوزيع الأدوية عليهم، إضافة الى توزيع الخبز يومياً. أكثر من يؤثر في إسماعيل، «المسنّون الذين يرفضون مغادرة منازلهم ويعتمد علينا أولادهم في الاطمئنان عليهم».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك