كتب علي غندور:
أكتب باسم وهمي حفاظًا على سلامتي وسلامة عائلتي، وبصرخة نابعة من القلب عن جنوبٍ يتدمر وعائلاتٍ تُشرد. لن نفتح صفحات الماضي ولن ندخل في نقاشات حول المسؤولية في فتح جبهة الإسناد. دعونا نركز على المرحلة الحالية؛ المطلوب هو وقف فوري لإطلاق النار من جانب واحد، يليه انتخاب رئيس وتشكيل حكومة جديدة لحماية ما تبقى من الجنوب. أي تأخير أو إضاعة للوقت ستجلب مزيدًا من الدمار، الخراب، والتهجير. الجنوب لم يعد يحتمل المزيد من الخسائر، ولا يمكننا الاستمرار في دفع هذا الثمن الباهظ. الحل المسؤول الآن هو التحرك بخطوات سياسية عاجلة تضع حدًا لهذا النزيف وتحفظ ما تبقى من الوطن.
ظننا لسنوات أن الردع موجود ويحمينا، لكنه كان مجرد وهم لم يرَ الدمار الذي حلّ بالضاحية، ولا الجنوب الذي أُخلي، ولا الذل الذي يعيشه النازحون بسبب العدوان الاسرائيلي. اعتقدنا أننا الأقوى، وذهبنا إلى سوريا لدعم "الشبل" الذي تخلى عنا عند أول مفترق طرق وأغلق جبهته. كنا نظن أننا نحكم المشرق، وسخرنا من معاناة مضايا والزبداني، واعتبرنا من تضامن معهم إرهابيين. لكنهم هم من استقبلونا في طرابلس وعكار حين احتجنا إلى ملاذ. اعتقدنا أن دور المسيحيين في لبنان قد انتهى، وصرنا نعتبرهم أقلية لا تتجاوز الـ ١٩٪، لكنهم اليوم السبب الرئيسي في عدم تحول لبنان إلى غزة. ضحكنا واستهزأنا بمشروعهم للحياد، لكننا نرى اليوم أن المناطق "المحايدة" هي الوحيدة التي ما زالت تحمينا. عادينا العرب، ووصلنا إلى شواطئ اليمن، وها نحن اليوم ندرك أن أولئك الذين وصفناهم بالبدو هم الوحيدون القادرون على انتشالنا وإعمار ما تهدم. حان وقت المراجعة ووقف الإنكار.
نحن نخسر قرانا، تراثنا، وتاريخنا في هذه المعركة التي لا أراها "فدى" لأي كان. كل يوم يمضي نفقد جزءًا من هويتنا وذاكرتنا الجماعية التي تدمرها آلة القتل والدمار الاسرائيلية. يريدون منا أن نصدق أن النصر قريب، ربما بطائرة كاميكاز وصلت إلى هرتسليا، أو صاروخ أفلت من القبة الحديدية أو مقلاع داوود، أو لأن هناك هلعًا بين المستوطنين وهروب الآلاف إلى الملاجئ التي حتى لا نملك مثلها. لكن في الواقع، نحن من ندفع الثمن الأكبر، فقد خسرنا آلاف الأرواح، ودُمرت قرانا، وضاع تراثنا.
المنظمات الأيديولوجية لا تعترف بالهزيمة حتى في مواجهة هذه الخسائر الواضحة، لأنها ترى أن عقيدتها وأهدافها الكبرى أهم من الحجر والبشر. الاعتراف بالهزيمة يعني التشكيك في الأساس الذي بُنيت عليه عقيدتهم، وهو أمر لا يمكنهم تحمله. بالنسبة لهم، التضحية بالأرواح والممتلكات تصبح ثمنًا مقبولًا طالما يساهم في تحقيق هدفهم النهائي.
وفي الوقت الذي نخسر فيه قرانا وتاريخنا، يسعون للحفاظ على معنويات مناصريهم من خلال إعادة تأطير الخسائر على أنها "تحديات مؤقتة" أو "اختبارات". يحاولون إقناع الجمهور بأن النصر لا يزال ممكنًا، أو تحويل النصر ليكون عنوانه صد الاجتياح البري، وأن هذه الخسائر مجرد عقبات في طريق طويل.
هم يرون أن نضالهم ليس معركة آنية، بل جزء من مهمة تاريخية طويلة الأمد. ولذلك، كل خسارة بشرية أو مادية تُعتبر في نظرهم تضحية مقبولة من أجل "النصر الحتمي". في النهاية، الاعتراف بالهزيمة قد يؤدي إلى انقسامات داخلية تهدد بقاء التنظيم نفسه، ولذلك يفضلون إنكار الواقع على مواجهة الحقيقة التي نعيشها يوميًا؛ حقيقة أن تراثنا يتلاشى، وأرواحنا تُزهق، وقرانا تُدمر.
وفي النهاية، يبقى الحل الوحيد هو وقف إطلاق النار من جانب واحد، انتخاب رئيس، وتشكيل حكومة جديدة. أي تأخير إضافي سيؤدي فقط إلى تعميق الخسائر والخراب، وزيادة معاناة الجنوب والوطن بأكمله. الحل الحقيقي يبدأ الآن بوقف النزيف واتخاذ خطوات سياسية عاجلة تحمي ما تبقى من أرضنا وذاكرتنا. والأهم وقف الإنكار والمراجعة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك