تشهد الحدود اللبنانية السورية تصعيدا خطيرا في ظل فقدان النظام الجديد في سوريا السيطرة على مناطق حدودية واسعة، ما أتاح الفرصة لانتشار مجموعات مسلحة من جنسيات متعددة، بعضها يحمل أجندات إقليمية ودولية، فيما البعض الآخر ينشط ضمن شبكات تهريب السلاح والمخدرات. هذا الوضع يضع لبنان أمام تحدٍّ أمني وسيادي غير مسبوق، مع تصاعد المخاوف من انعكاسات هذه الفوضى على الداخل اللبناني الهشّ بطبيعته.
لطالما كانت الحدود اللبنانية السورية نقطة توتر مزمن، إلا أن المتغيرات الأخيرة في المشهد السوري أفرزت وقائع جديدة تزيد من خطورة الوضع، إذ باتت مناطق واسعة خارج نطاق سيطرة الحكم السوري، الأمر الذي أفسح المجال أمام التنظيمات المسلحة لتوسيع نفوذها. ومن بين هذه التنظيمات مجموعات ذات طابع جهادي متشدّد، وأخرى تعمل لصالح جهات استخباراتية إقليمية، مما يهدد بتحويل هذه المناطق إلى بيئة غير مستقرة قد تستخدم كنقطة انطلاق لعمليات تهدد الأمن اللبناني. كما أن نشاط شبكات التهريب بات يشكل خطرا مزدوجا، إذ لا يقتصر على السلاح والممنوعات فحسب، بل يتعداه إلى عمليات تسلل غير شرعية من شأنها تغيير التوازنات الأمنية والديموغرافية.
أمام هذا التحدي المتفاقم، تحرّك الجيش اللبناني بسرعة لحماية الحدود ومنع امتداد الفوضى إلى الداخل، حيث عزز انتشاره في النقاط الحساسة وكثف عملياته الاستباقية لملاحقة المجموعات المسلحة ومنع تسللها. كما نفذ سلسلة عمليات ضد المهربين وشبكات التسلل، مؤكدا عزمه على منع أي اختراق من شأنه تهديد الأمن القومي اللبناني. وفي هذا السياق، لعبت قيادة الجيش باشراف ومتابعة من العماد رودولف هيكل دورا محوريا في رسم استراتيجية دفاعية متكاملة تعتمد على تعزيز الرقابة الجوية والبرية، وإقامة نقاط عسكرية جديدة لمنع أي خرق محتمل.
على المستوى السياسي، برزت مواقف واضحة من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي شدد على أن المساس بالسيادة اللبنانية "خط أحمر"، مؤكدا دعم الجيش والقوى الأمنية لضمان ضبط الحدود ومنع تحول لبنان إلى ساحة للفوضى الإقليمية. كما سعت الحكومة، بقيادة رئيس الوزراء نواف سلام ووزير الدفاع الوطني ميشال منسى، إلى تفعيل التنسيق الأمني والدبلوماسي مع سوريا والدول المعنية، بهدف اتخاذ خطوات استباقية تحمي البلاد من تداعيات الانفلات الحدودي.
ومع استمرار المشهد السوري في التعقيد، يبقى لبنان أمام اختبار صعب يتطلب مزيجا من الصرامة العسكرية والحكمة السياسية، لمنع انزلاق البلاد إلى دوامة أمنية جديدة قد تكون أشد خطرا من كل الأزمات السابقة. فهل ينجح لبنان في تجاوز هذه العاصفة أم أن الحدود الشرقية ستظل بؤرة تهديد دائم؟.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك