"شو هالأشخاص؟ شو هالمبنى؟ شي بيخوّف! قال بيحكوا بسوريا، بسجن صيدنايا، شفت نموذج تاني عن صيدنايا فوق، بيهجموا عليك وبدّن ياك تحكي معن بالقوة. منظر مخيف جداً. بتحس حياتك مُعرّضة للخطر مع هيك أشخاص، هيدي نافعة طرابلس لخدمة المواطن؟". حظ هذه المواطنة لدى إجرائها معاملة في نافعة مجدليا - طرابلس، "من السماء" ولو أنها تعتبره "حظاً عاطلاً". فهي لم تشهد على إطلاق رصاص، لم يؤخذ مفتاح سيارتها منها بالقوة، لم يتم تكسير سيارتها، لم تهدَّد بالسكين، أو يتم إطفاء سجائر بجسدها على مرأى من القوى الأمنية التي تتفرج على انتهاكات "زعران" نافعة طرابلس المعروفين بـ"العربان"، ولا تحرّك ساكناً، حتى بات للزعران "دويلة" في عقر دار النافعة التابعة للدولة.
إن كنت من فئة المواطنين الذين يريدون إجراء معاملة وفق الأصول في النافعة شمالاً، أي بلا خوّة إكراهية، فـ"لا أهلاً ولا سهلاً بك". فالمرفق العام تحول منذ سنوات إلى "دويلة" تحت حكم قرابة 30 "أزعر" من عرب الفوار المعروفين بـ"العربان" (نسبة لانتمائهم للعشائر العربية ووجودهم في منطقة الفوار). حكم لم يعد يهدد سلامة المواطن والموظف على حد سواء بل إنه يهدد سير المرفق العام نفسه ويعود بخسائر مالية للدولة، عدا عن الخسائر المعنوية الأكثر خطورة على صعيد كسر هيبتها.
فها هي "نافعة" مجدليا، التي تضم جميع معاملات محافظة الشمال، "مغلقة" بوجه المواطنين "حتى إشعار آخر"، بعد تهديد موظفيها من قبل "العربان" المسيطرين عليها، بإطلاق الرصاص. صحيح أنه مضت سنوات على تهديدات من هذا النوع، لكن وعلى قاعدة أن "آخر الدواء الكي"، أرسل موظفو الإدارة كتابا هذه المرة لرئيس مصلحة تسجيل السيارات - الدكوانة، الرائد محمد عيد "طلباً لحماية الدولة لنا بوجه التهديد والترهيب والسلاح"، رابطين عودتهم للعمل، بحمايتهم من شبيحة، "تعرفهم الدولة بأسمائهم". في هذا السياق، يعبر أحد موظفي النافعة عن عمله اليومي تحت الترهيب بالقول "ما بتتحرك الدولة إلا إذا انقتل حدا فوق وصار في دم؟".
الداخل إلى نافعة مجدليا "مفقود" والخارج منها "مولود". ومع ولادة عهد جديد، وبإيعاز من وزير الداخلية أحمد الحجار، وللمرة الأولى، يشعر أهالي طرابلس بطمأنينة بشمولهم بخطة أمنية بدأت نتائجها تنعكس في قلوب الطرابلسيين، أمناً وأماناً. فهل تُنتشل النافعة هي الأخرى أمنياً؟ أم تذهب الدولة للحلّ الأضعف وهو انتقال النافعة برمتها إلى مركز آخر فتكون أذعنت للدويلة؟
من عمر المُعاينة الميكانيكية
ما إن تطأ سيارتك النافعة في الشمال، حتى "يطبّ" عليها عدد من "العربان" الذين يسألونك "شو نوع معاملتك؟". ومهما كانت طبيعتها، سوف ترضخ للخوة الإكراهية التي يطلبونها منك، والتي تبدأ بـ50 دولاراً و"طلوع". فالنافعة تحولت إلى "باب رزق" لدويلتهم. وليس باب رزق للدولة فقط، وطبعاً هم لن يسمحوا بإقفال باب رزقهم، مهما كلف الأمر.
عمر هذه الحالة من عمر استحداث مركز المعاينة الميكانيكية في نافعة الشمال، وفق ما يروي مصدر في النافعة، أي عمرها أكثر من 10 أعوام. فالمعاينة الميكانيكية تحصل في الشمال، في مركز النافعة نفسه (على عكس كل فروع النافعة الأخرى حيث مركز المعاينة الميكانيكية يكون منفصلاً). واستوطنت دويلة العربان، واتخذت لها موطئ قدم في النافعة، بدءاً من عرض خدمات على المواطنين الذين يعاينون سياراتهم لدى قسم الميكانيك، كأن يغيروا لهم دولاب سيارة أو شيئا من هذا القبيل. وشيئاً فشئياً تحول "العرض" إلى "خوة" إكراهية.
ظلت النافعة كموظفين ومعاملات للمواطنين، منفصلة عما يجري ضمن قسم المعاينة الميكانيكية إلى أن توقف العمل في عهد الوزير السابق بسام مولوي في مراكز المعاينة.
"انقطعت حنفية الأموال" عن العربان في النافعة، فانتقل التشبيح هذه المرة إلى عقر دار النافعة ومعاملاتها، ولم يعد الترهيب يقتصر على المواطن، بل انتقل إلى موظفي النافعة والإدارة برمتها.
في السياق يقول أحد الموظفين "ما في قاضي... ما في مهندس... ما في مطلق مواطن في الشمال شو ما كانت صفته، إلا وبدو يدفع خوة ليجري معاملة بالنافعة". أما نحن الموظفين "فغالباً ما نمشي أمتاراً لنصل إلى سياراتنا، تفادياً لتكسيرها إن قمنا بركنها أمام النافعة، لأنها "فشة خلق" العربان إن عصينا أوامرهم بشيء. فـ"ياما سكرنا النافعة بأمر منهم، وتعرضنا لتهديد وترهيب منهم، لكن الأمور اليوم وصلت إلى ذروتها، ولم يعد بإمكاننا السكوت عن الشتيمة بحقنا وصولاً لتهديدنا بإطلاق الرصاص إن لم نتوقف عن العمل، كنتيجة لصراع أجنحة بين العربان، وإشكال داخلي بينهم لا ذنب للإدارة والمواطن به".
على مرأى من القوى الأمنية
على قاعدة "حاكمك ظالمك"، ليس الموظفون وحدهم مضربين عن العمل اليوم، بل كذلك مكاتب تعليم القيادة. في السياق، يقول أحد أصحاب تلك المكاتب: لسنا مستعدين للمخاطرة بسلامة تلامذتنا ممن يريدون إجراء فحوص القيادة ويتعرضون للتهديد وأحياناً للأذى الجسدي لقاء عدم استجابتهم للتهديد.
يقول أحد المواطنين، راوياً ما تعرض له من ترهيب وأذى جسدي "إن ما يحصل هو تشبيح وتهديد علني، عدا عن عرض خدمات بالقوة داخل الغرفة وبين الموظفين وبوجود عناصر أمنية يتصرفون وكأنهم أصنام".
فبعد تهديده بقبول عرض الخوة بالقوة "تدخّل أحد الأمنيين مكتفياً بكلمة وجهها لمطلق التهديد بقوله (خلص يا فلان) بعد أن أحرق هذا الفلان يدي، لا بل وصل تهديده حدّ قوله "عطيني ورقة المعاملة أحسن ما خزّقلك ياها"، ومع ذلك لم يتحرك أحد من عناصر الأمن لأنهم على ما يبدو هم أنفسهم يخافون من الشبيحة.
شكوى "ترهيب الموظفين"
أمام كل هذه الانتهاكات، أرسل رئيس وموظفو قسم تسجيل السيارات في الشمال، شكوى إلى رئيس مصلحة تسجيل السيارات والآليات بالتكليف، محمد عيد، "بشأن فوضى وتهديد وترهيب الموظفين".
وتأتي الشكوى في شأن "تصرفات غير مقبولة تصدر عن مجموعة من الأشخاص، يقومون بأعمال فوضى داخل القسم وفي الباحة الخارجية، تجاوزت حدودها من التهديد المباشر وترهيب الموظفين، وسباب وشتم رئيس المصلحة".
لا بل إنهم توجهوا إلى قسم السوق، وضربوا على الزجاج وصرخوا على الموظفين طالبين منهم التوقف عن العمل. وقال أحدهم بالعامية "بكرا بجيب تلميذين تلاتة لفحص السواقة الشفهي بنجحن بالقوة وبقبض منن وبفل عالبيت".
هنا طبعاً، يحق لنا أن نسأل عن صحة نتائج امتحانات السوق تحت ترهيب الموظفين، وغيرها من المعاملات، مع أخذ الإدارة رهينة لهذه الحالة الميليشياوية، وتالياً، رهينة لأوامرها!
أمام كل هذه الانتهاكات المتكررة ما كان من رئيس المصلحة فهد الحازوري إلا أن جمع جميع الموظفين في مكتبه، ليخرجوا بحلّ يضمن سلامتهم كموظفين، ليتسلق أحد الشبان النافذة ويقول بالحرف "إقفلوا الدائرة الآن وإلا سيحصل إطلاق رصاص".
من جهتهم، الموظفون، يختمون كتابهم بعبارة "لا نتحمل أذية أي موظف جسدية كانت أم لفظية، وها نحن مرغمون على الحضور يومياً إلى مكاتبنا مع الاعتكاف عن العمل إلى أجل غير مسمى لحين تعزيز القسم بقوى أمنية".
مؤازرة أمنية "شكلية"
اليوم، هناك آلية للجيش، وعناصر قوى أمن في باحة النافعة. وهذه التعزيزات الأمنية، حصلت على أيام رئيس مصلحة تسجيل السيارات بالتكليف سابقاً، العميد علي طه، الذي سعى لحماية المرفق العام أمنياً، فتواصل والمحافظ مروان عبود في حينه، مع قيادة الجيش لهذا الغرض، التي تجاوبت بتأمين آلية للجيش.
لكن بعد عامين من هذه التعزيزات وضمنها عناصر من جهاز أمن السفارات في قوى الأمن الداخليّ لم يعد للعناصر الأمنية "هيبة" أمام "العربان" وفق ما يقول الموظفون وأصحاب مكاتب السوق والمواطنون على حدّ سواء.
اليوم، تطلب الإدارة في الشمال "تعزيز القسم بقوى أمنية لا تكون شكلية، أي مؤلفة من عناصر دون ضباط، بل يكون على رأسها ضابط وتكون قادرة حقاً على معالجة هذه الأمور وضبطها بشكل نهائي، أسوة بباقي إدارات الدولة، حفاظاً على كرامة الإدارة وموظفيها من جهة، والمواطنين أصحاب العلاقة من جهة أخرى.
نرفض نقلنا إلى "تخشيبة"
عوّل موظفو النافعة منذ قرابة الأسبوع، على جلسة لمجلس الأمن الفرعي شمالاً، برئاسة المحافظ رمزي نهرا وبمشاركة رئيس البلدية رياض يمق وأمنيين، تقرر فيها تعزيز قوى مشتركة بين جهاز أمن السفارات وقيادة درك منطقة الشمال الإقليمية، لضبط الأمن ومنع المضايقات وعمليات السمسرة وما شابه مع اقتراح نقل المركز آلى موقع آخر ملائم ورفع الموضوع إلى وزير الداخلية والبلديات لاتخاذ القرار المناسب.
إلى اليوم، لم يترجم شيء على الأرض لناحية زيادة التعزيزات الأمنية. لا بل إن أحد موظفي نافعة الشمال، يضع اقتراح نقل النافعة برمتها إلى مكان آخر في خانة "الإذعان للحالة الميليشياوية"، على قاعدة "ما فيي أمّنلك حماية رح إنقلك ع تخشيبة".
فمساحة النافعة اليوم قرابة 3000 متر مربع. بينما مكان نقلها المقترح هو عند مدخل البحصاص في أرض ضيقة تابعة لوزارة الأشغال، فيها غرفة أشبه بـ"تخشيبة".
ويسأل مصدر في نافعة الشمال: "لدينا مركز كبير جداً، لماذا نخسره لأجل كم بلطجي معروفين؟"، سائلا "هل الدولة في عهد الرئيسين عون وسلام عاجزة عن فرز ضابط و4 عناصر للنافعة وإيقاف عصابة من 15 شبيحاً في منطقة الفوار شمالاً؟". لا سيما أنه "إلى اليوم لا نأخذ من المحافظ مروان عبود مدير عام هيئة إدارة السير بالتكليف، ورئيس مصلحة تسجيل السيارات بالتكليف الرائد محمد عيد إلا وعوداً"، ونخشى "أن لا يصل صوتنا كما هو لوزير الداخلية". ويمكن اختصار انطباع موظفي الشمال بعد يأسهم من الشكوى للإدارة الحالية بكلمة "قرفانين".
سرعان ما التمس الطرابلسيون فرقاً، مع التعزيزات الأمنية، ضمن الخطة الأمنية في المدينة. والسؤال اليوم: ما الذي يمنع فرز تعزيزات لنافعة مجدليا - طرابلس شمالا؟ هل هناك قطبة مخفية؟
في الأثناء، معاملات المواطنين متوقفة في نافعة هي رافدة للمال العام. والدويلة في نافعة الشمال أقوى من الدولة، والمواطنون يعولون على أن يتم شمول نافعة طرابلس بالخطة الأمنية!
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك