غداة تكليفه تشكيل حكومة جديدة، أكد الرئيس نواف سلام على جملة معايير يعتزم تطبيقها في عملية التأليف، على رأسها أنه لا يريد "حكومة مجلسية"، تكون نسخة مصغرة عن البرلمان، لأنها تحمل في جيناتها بذور التعقيد والعرقلة، فضلاً عن توزير اختصاصيين "تكنوقراط"، ليس بينهم مرشحون للانتخابات النيابية المقبلة.
ويندرج هذا المعيار ضمن الفصل بين السلطات، كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية، والذي نظّر له كثيراً سلام في كتبه ودراساته، ولا سيما في نقده انحرافات النظام في "الجمهورية الثانية" عن روحية "وثيقة الوفاق الوطني" التي أقرت في "الطائف"، حيث تآكل الهامش بين السلطتين التشريعية والإجرائية، إلى الحدّ الذي جعل معيار الطبقة السياسية فضفاضاً ومحل خلاف بين قوى "انتفاضة 17 تشرين"، وأكثر منها في الخيال الجماهيري العام، بحيث أضحى التعامل سيّان مع النائب والوزير، حزبياً كان أم مستقلاً.
لذلك كان التعويل على سلام في إعادة انتظام الحياة الديمقراطية، من خلال ترسيم الحدود بين السلطات، كما بين الرئاسات، ومنع طغيان رئاسة البرلمان التي سلبت الحكومة ورئيسها دوريهما، وصارت شريكاً حكومياً مضارباً، بما يعبّد الطريق أمام تحويل مجلس الوزراء إلى مؤسسة حكم تتمثل فيها العائلات الروحية في لبنان، بمعزل عن الحضور الحزبي الطائفي والمذهبي، وبما يتسق مع أهداف "الطائف"، لتجسيد الانتقال الفعلي نحو "الجمهورية الثانية"، والذي تعرّض للتقويض من خلال الممارسات والأعراف الهجينة.
بيد أنه ثمة العديد من الإشكاليات التي بدأت ترتسم باكراً في نهج رئيس الحكومة نفسه. بداية من طريقة تعامله "الباردة" مع رئيس البرلمان نبيه بري حين ختم المشاورات في "عين التينة"، ثم قَبِلَ بتسمية ياسين جابر وزيراً للمالية. مروراً بإهماله النواب المستقلين تماماً، وقوله للسنة بحصرية الشأن السياسي لحكومته به وحده، بما يتعارض مع ما نظّر له حول مؤسسة مجلس الوزراء. وهذا ليس تفصيلاً بسيطاً عند عشرات الطلاب الذين درّسهم في "الجامعة الأميركية" وغيرها، انتهاءً بآلية تسمية الوزراء الاختصاصيين الشيعة.
بصرف النظر عن النقاش الدائر حول الفجوة الواسعة في المعايير المتبعة من قبل سلام بين "الثنائي الشيعي" وباقي القوى السياسية، وولادة مصطلح سياسي جديد "الطائفة المجروحة"، فإنه ثمة إشكالية جدية تتعلق بماهية الفارق بين الحزبي أو السياسي، وبين الاختصاصي، بالنظر إلى كل تجارب التكنوقراط التي قدمها "حزب الله" و "أمل" في الحكومات السابقة.
أحدثها في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأخيرة، ومنها نموذج وزير الأشغال علي حمية، الذي أشاد ساسة كثر من مختلف المشارب بأخلاقياته، وانفتاحه على الجميع، وحركيته، وقربه المباشر من الناس.
ومع ذلك، فإنه نفّذ مشيئة حزبه بأمانة لم يحد عنها قيد أنملة في القرارات التي تعنيه. مثل رفضه التام لفتح مطار "الرئيس رينيه معوض" في "القليعات" العكارية، رغم الحاجة الماسة له إبّان الإعصار الإسرائيلي المدمّر، وضغط نواب "كتلة الاعتدال" الذين تربطه بهم علاقة شخصية وثيقة.
وكذلك قراره إبقاء المعابر الحدودية البرية الثلاثة في عكار مقفلة حتى لحظة تسليم خلفه فايز رسامني، فقط لأن "حزب الله" يريد ذلك لضمان هيمنته على حركة الداخلين والخارجين إلى سوريا، وقاعدة بياناتها، من خلال نفوذه الأمني على معبري "المصنع" و"القاع". ناهيكم عن رميه مسؤولية تعبيد معبر "المصنع" بعيْد قصفه على عاتق الجيش، لتسويغ اتهام قائده العماد جوزاف عون بـ "الأمركة" من ضمن سياقات معركة الانتخابات الرئاسية.
علاوة على ذلك، فقد الوزير حمية أعصابه بسرعة قياسية، حينما مارس النائب وضاح الصادق دوره الدستوري الرقابي في قضية تطوير مطار "رفيق الحريري"، إذ رد عليه بطريقة مزج فيها بين الشعبوية والشخصانية وأوشك على اتهامه بالخيانة، في استنساخ لخطاب الكراهية والتخوين الدائم الذي يعتنقه "حزب الله". بالإضافة إلى لعبه مع الوزير مصطفى بيرم، دور الناطق السياسي باسم "الحزب" خلال الغيبة الصغرى لنوابه وقادته.
وعليه، فإن الهامش ما بين الاختصاصي والسياسي عند وزراء "الحزب" هو في حقيقة الأمر صفر. وهذا ما ينسحب على "حركة أمل".
وبالتالي كان الأمل كبيراً بأن يتّبع الرئيس نواف سلام منهجية مغايرة وأكثر جرأة، وأن يختار تكنوقراطاً شيعة لديهم القدرة على تحمل ضغط الثنائي، وتجسيد هامش من الاستقلالية يخفّف من الخلط المتعمد بين "الثنائي" والشيعة، مثلما تفعل إسرائيل في إسقاط تعريف الإرهاب على كل الفلسطينيين.
من الأهمية بمكان أن لا ينخدعن أحد بصمت وزراء "الثنائي" الجدد عن أزمة الطيران الإيراني وقطع طريق المطار بشكل همجي، فدرب الحكومة لا تزال طويلة، وقدرة هؤلاء الوزراء على مجابهة الضغط المتوقع في امتحانات أخرى ستبقى محل تساؤل دائم، ولا سيما في ظل إصرار "الحزب" على تسييل كل مآزقه في الداخل لتعريف غضب جماهيره.
المسافة بين السياسي والاختصاصي عند "الثنائي"... صفر
الــــــســــــابــــــق
-
البيت الأبيض: ترامب تحدث مع ماكرون بشأن أوكرانيا والاجتماع الأوروبي والمحادثات في السعودية بين المسؤولين الأميركيين والروس
-
وحدات من الجيش اللبناني دخلت إلى بلدة ميس الجبل بعد فتح الطريق إليها
-
ترامب: القوات الأميركية نفذت ضربة جوية دقيقة ضد أحد أعضاء تنظيم القاعدة بسوريا مطلع الأسبوع
-
القناة 13 الإسرائيلية: وفد إسرائيل سيبحث فقط في استمرار تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة من دون التطرق للمرحلة الثانية
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك