يترقب الشارع السني الذكرى السنوية العشرين لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. ويصاحب هذه الذكرى إنشغال داخلي بما سيقوله الرئيس سعد الحريري الذي وصل إلى بيروت للمشاركة في المراسم. وتتطلع الجماهير إلى أن تكون المراسم هذا العام استثنائية، تحمل معها عودة الحريري إلى الحياة السياسية بعد اعتزال لسنوات.
فمع غيابه الطويل، شعر أبناء الطّائفة السّنية بفراغ كبير واختلال في التوازن الطائفي في الحياة السياسية. والأكيد، أن أحداً لم يستطع أن يملأ هذا الخواء الذي تسبّب بخيبة أمل، لا سيّما بعدما تبيّن أن الطائفة السنية، التي كانت اللاعب الأكبر في صنع القرارات، خسرت قوتها وكلمتها منذ رحيل سعد الحريري عن السّاحة.
يحيط الغموض بتفاصيل مراسم ذكرى اغتيال الحريري الأب وبنوعية خطاب الحريري الإبن. وبين التكهنات الكثيرة والحماسة الزائدة، يرجح محبّوهما أن "السّنة غير". في السياق، يقول النائب السابق عاصم عراجي أنه "لا شكّ أن هذه السّنة مختلفة عن سابقاتها من السّنوات التي كان فيها الحريري خارج السّياسة لأن هناك متغيرات كثيرة في المنطقة. وأبرز المتغيّرات: الحرب الإسرائيلية على لبنان، والحرب على غزة، وسقوط نظام الحكم في سوريا وهروب الرئيس السّوري السّابق بشّار الأسد. وخلطت كل هذه العوامل الأوراق في الشرق الأوسط وتحديداً في لبنان".
يشير عراجي إلى أن هذه العوامل "أثرت على الوجود الإيراني رغم محاولات عدم الاعتراف بهذا الواقع. ولم يعد لإيران اليد الطولى في الدول التي كانت تفرض هيمنتها عليها".
إذاً، قد يكون هذا الواقع الجديد الذي فرضته الظروف والذي قلّص الهيمنة الإيرانية وسيطرتها، من أبرز الحوافز المشجّعة للحريري للعودة إلى السياسة. فهو الذي قال حين اعتزل العمل السياسي: "أتخذ هذه الخطوات لقناعتي بأنه لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة".
وفي السياق، يكشف عراجي أن نواب "المستقبل" السابقين سيلتقون سعد الحريري خلال الساعات الـ48 المقبلة. وجرت العادة أن يجتمع اللّبنانيون قرب ضريح رفيق الحريري، الحاضر الأكبر في ذاكرة اللبنانيين، بانتظار ابنه الذي عادة ما يقرأ الفاتحة عن روح والده ويلقي خطاباً مقتضباً بعيداً عن السّياسة ثم يغادر. وبحسب تحليل عراجي فإن كلمة الحريري هذه المرّة ستتضمن على الأغلب جانباً هامّاً في السّياسة، حيث قد يتطرّق إلى التغيّرات الحاصلة في المنطقة، بالإضافة إلى توجّهاته في المستقبل القريب في ما يتعلّق بالحياة السياسية والانتخابات النّيابية المقبلة. وقد تكون فرصة للحريري لشرح دور هذه التّغيرات في تحديد مصير تيّار "المستقبل".
وتوقع عراجي أن تكون الحشود الشعبية هذه السنة أكثر مما كانت عليه السنة الماضية. كما توقع أن تشهد الذكرى "حشوداً من المناطق الحدودية القريبة من سوريا كانت غائبة في السنوات الماضية بسبب نظام الأسد". وأكد "أن النّاس ارتاحت نفسياً ومعنوياً في نواحٍ كثيرة". وقال: "صحيح أن الحريري كان غائباً، إلا أن طيفه كان حاضراً".
وبعيداً من الإطراء، يقول عراجي إن "حاجة الشارع السني للحريري واضحة لأنه الزعيم الأكبر في الطائفة".
ويذكّر بأن الحريري "دفع أثماناً باهظة منعاً لوقوع المشاكل والفتن بين السنة والشيعة. كما أنه نال تعاطفاً كبيراً لأنّه الوحيد الذي رحل عن السّياسة في مقابل بقاء زعماء الطوائف الأخرى في كراسيهم".
أضاف: "لا يجب أن ننسى مواصفات الحريري التي تعبّر عن الشخصية السّياسية الحلم في لبنان. فهو معتدل، قريب من كل الطوائف ومن كل الناس، ويمتلك كاريزما كبيرة. كما أنّ الحريري سعى جاهداً إلى وأد الفتن السنية الشيعية عبر قرارات كثيرة اتّخذها، وكان لبنان سيدفع الثمن غالياً لولاه".
وعن أثر غياب الحريري في السياسة، يقول عراجي: "ليس خفياً على أحد أن الطائفة السنيّة تفكّكت من دونه. ولم تكن هناك قوّة موحدة مؤثرة في غيابه. على سبيل المثال، لم يكن لنواب السنّة فعاليتهم الكبيرة، حيث غاب الضغط السني عن الانتخابات الرئاسية وعن تكليف رئيس الحكومة وتشكيلها".
وتابع: "تركيبة لبنان، سواء أحببناها أم لا، تقتضي أن يكون لكل طائفة زعيم. ولا يمكن أن تستقرّ طائفة من دون زعامة. وعندما يغيب الرأس الجامع للنواب، ينتهي الأمر بتفكك الطائفة".
أما عن التكهنات التي تتحدث عن انتظار سعد الحريري الضوء الأخضر من السعودية للعودة إلى الحياة السياسية، فلا يعتقد عراجي أن "السعودية ستعارض عودة الحريري إلى لبنان ودخوله السياسة من جديد، وبخاصة أنها تتواصل في الفترة الأخيرة مع كل الأطراف باستثناء "حزب الله".
في الخلاصة، لا شكّ أن الذكرى العشرين لاغتيال الشهيد رفيق الحريري ستكون استثنائية، تماماً كما هو شخصه، على أمل أن تحمل هذه البشرى عودة سعد الحريري إلى الحياة السياسية ليلمّ شمل طائفته ويعيد التوازن إلى المشهد السياسي.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك