هل انتهت مشكلة التهجير في لبنان؟ وهل عاد بالفعل المهجرون الذين نزحوا عن أماكن إقامتهم الأصلية في المدن والقرى خلال الحرب الأهلية إليها؟ وبالتالي، هل إن ملف المهجّرين العائد لتلك الحقبة أُنجز بالفعل وأصبح في مرحلة الإقفال؟
الإجابة على هذه الأسئلة وخلاف ما يظن كثيرون، هي بالنفي طبعًا، والأسباب قانونية وواقعية.
في العام 1993 أقرّ مجلس النواب قانون إحداث وزارة شؤون المهجرين (القانون رقم 190 تاريخ 04/01/1993) وقد نص في مادته على المهام التي ستقوم بها تلك الوزارة كما يلي:
"تعنى وزارة شؤون المهجرين بجميع شؤون المهجرين في المناطق اللبنانية كافة وبتأمين عودتهم الى مناطقهم وقراهم وتحصين اوضاعهم من النواحي الاجتماعية والاقتصادية كافة وتمكينهم من الاستقرار في اماكن اقامتهم والمساهمة الكاملة في حقوق المواطنية وواجباتها."
وقد جاء في الأسباب الموجبة أنه: "تعتبر مشكلة المهجرين من أهم وأخطر المشكلات الناجمة عن الأحداث التي عانى منها لبنان. وتتجلى المشكلة في أن التهجير طال معظم المناطق وشمل اعداداً كبيرة من السكان الذين ينوءون تحت عبء المعاناة الشديدة بسبب أوضاعهم المعيشية والاجتماعية والصحية والتربوية المأساوية."
ونظراً لخطورة مشكلة المهجرين، فقد أولتها وثيقة الوفاق الوطني عناية خاصة إذ نصت على "حل مشكلة المهجرين اللبنانيين جذرياً وإقرار حق كل مهجر لبناني منذ العام 1975 بالعودة إلى المكان الذي هجر منه ووضع التشريعات التي تكفل هذا الحق وتأمين الوسائل الكفيلة بإعادة التعمير"
إن ملف التهجير بمعناه الذي قصده المشترع في هذا القانون، يشمل جميع اللبنانيين الذين اضطروا خلال الحرب وبسببها إلى ترك قراهم ومدنهم والنزوح عنها إلى الداخل أو الخارج. وقد أراد المشترع تحقيقًا لما اقتضته وثيقة الوفاق الوطني أن يعالج المشكلة معالجة جذرية، ولكن هذا لم يحصل.
المعالجة التي اعتمدتها الحكومات اقتصرت على مناطق معينة فقط. وفي تلك المناطق لم تحصل عودة فعلية. كما تم إهمال مناطق كثيرة تعرّضت للتهجير في الحرب وأهمها العاصمة بيروت التي هُجّر معظم سكانها الأصليين ولا سيما في أحياء المصيطبة والمزرعة والباشورة وزقاق البلاط والمدور. ومن لم يهاجر من هؤلاء إلى الخارج أقام في عرمون وبشامون والناعمة والمنصورية وبرج حمود وبلونة وغيرها من بلدات الأقضية المجاورة لبيروت شمالًا وشرقًا وجنوبًا، ولم تقم الحكومات المتعاقبة بموجباتها القانونية والوطنية في إعادتهم.
عند تشكيل الحكومة الحالية كان لافتًا أن وزارة المهجرين أسندت إلى السيد كمال شحادة بدلّا من وزارة الاتصالات كما كان متوقّعًا ومفترضًا بالنظر إلى اختصاصه ومعرفته في قطاع الاتصالات الذي عمل فيه في لبنان والخارج. وكان قد تولّى على إثر صدور قانون تنظيم قطاع الاتصالات رقم 431 العام 2002، رئاسة الهيئة المنظمة للاتصالات مدة من الزمن إلى أن يئس واستقال وسافر بعد أن تمكّنت الدولة العميقة من تفريغ قانون الاتصالات آنذاك من مضمونه بالامتناع عن إصدار مراسيمه التطبيقية وبقاء صلاحيات الهيئة في يد مديريات الوزارة وهيئة أوجيرو التي تمارسها وفق قوانين تعود للعام 1959 في عصر الذكاء الاصطناعي.
تجاوز المعنيون أمر الحقائب، وأضيفت إلى مهام الوزير شحادة مهمة أخرى، فعيّن وزيراً للمهجرين ووزير دولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات والذكاء الاصطناعي. ولأن مشكلة المهجرين في لبنان لم تجرِ معالجتها كما يفرضه القانون وكما نصت عليه وثيقة الوفاق الوطني، قد يكون للجمع بين الوزارتين في شخص الوزير شحادة فوائد عبر استخدام الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا المعلومات في حلّ مشكلة المهجرين.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك