«السلطة في مكان والانتفاضة في مكان آخَر». هكذا تختصر مصادر مطلعة في بيروت المَشهد اللبناني عشية دخول الثورة أسبوعها الرابع من دون أن تَظهر في الأفق بوادر انفراجٍ وشيك على صعيد تشكيل الحكومة الجديدة بعد عشرة أيام على استقالة الرئيس سعد الحريري وبما يفتح الطريق أمام بدء لملمة الواقع الداخلي العالِق بين ديناميةِ الاحتجاجات وسلّة أهدافها (حكومة اختصاصيين مستقلين تمهّد لانتخابات مبكرة، ومحاسبة الفاسدين) وبين مدى قدرة الائتلاف الحاكم على «الانقلاب على نفسه» وعلى نهجٍ في إدارة البلاد لطالما تَشابَكَتْ فيه العوامل الطائفية والمذهبية ومحاصصاتها مع الامتدادات الإقليمية للوضع المحلي وصولاً إلى «استرهانه» شبه الكامل في الأعوام الأخيرة لمصلحة الصراع الكبير في المنطقة ومقتضياته.
وفيما كانت الانتفاضةُ «تعوّض» عن سحْب ورقة قطْع الطرق من يدها (ولو موقتاً) باستنهاض تلامذة المدارس وطلاب الجامعات الذين أقاموا أمس، ما يشبه «السلسلةَ البشرية» المتنقّلة التي صدَحَ صوتُها في مختلف المناطق والميادين حيث تَحوّلت الصروح التربوية «ساحات ثورة»، وذلك بالتزامن مع احتجاجات أمام مرافق حيوية (مثل فروع لمصرف لبنان في أكثر من منطقة وقصر العدل في بيروت) وأخرى تُعتبر عنواناً للهدر أو الفساد قبل «ليل قرْع الطناجر» في بيروت، جاءت الإشاراتُ المُواكِبة لمسار تكليف رئيس للحكومة الجديدة قبل تأليفها لتوجّه رسالةً سلبية حيال استمرار الائتلاف الحاكِم بالتعاطي مع الأزمة الكبرى بمنطق، إما المكابرة أو تَبادُل «رمي الكرات» أو على طريقة لعبة «البلياردو» في الوقت الذي يكاد «دومينو» الانهيار أن يبدأ.
وإذ توقفت المصادر عند خفْض وكالة «موديز» تصنيفها للبنان إلى Caa2 بفعل تنامي احتمالات إعادة جدولة دينٍ ستصنّفها على أنها تخلُّف عن السداد، مع تحذيرٍ من أنه «في غياب تغيير سريع وكبير للسياسة، فإن تدهوراً سريعاً لميزان المدفوعات ونزوح الودائع سيهبطان بنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى الصفر أو أقلّ مما يهدّد بشكل متزايد جدوى ربط العملة»، اعتبرتْ أن «جرس الإنذار الجديد» لا يبدو أنه غيّر في «أجندة» السلطة في موازاة شدّ الحبال مع المنتفضين الذين يتعاطون على طريقة «ليس لدينا شيء نخسره» والذين نجحوا حتى الآن في إرباك الائتلاف الحاكم بعدما ظهروا وكأنهم مثل الماء لا يمكن الإمساك بانتفاضتهم أو «تطويعها».
وما عبّر عن هذا الأمر وفق المصادر نفسها التسريباتُ حول مضمون اللقاء المطوّل الذي جَمَع (الاثنين) الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل وتحديداً عن أن الأخير اقترح فكرة قيام حكومة بلا وجوه سياسية أساسية على أن تشكّلها القوى السياسية من اختصاصيين مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، ويُطرح على الحراك اختيار أسماء تمثّله. أما بالنسبة الى رئاسة الحكومة، فكان الطرح بأن يسمي الحريري مَن يريد بموافقة جميع الأفرقاء.
ولم تتأخّر عملية «التدقيق» في هذا الطرح الذي سرّبتْه أوساط قريبة من «التيار الحر»، وسط اعتبار المصادر المطلعة أنه ينطوي على أكثر من «فخ»، الأوّل محاولة رمي مسؤولية تعطيل مسار استيلاد الحكومة الجديدة، العالق عند رفْض باسيل استبعاده من الحكومة تحت عنوان «الأسماء المستفزة»، في ملعب الحريري بحيث يظهر الأخير بحال لم يقبل الخروج وباسيل معاً من التركيبة على أنه هو المعطّل.
والثاني دفْع الحريري إلى التسليم بمعادلة مساواة موقعه الدستوري بوزيرٍ مع ما يعنيه ذلك من عُرْفٍ يمكن إسقاطه على مراحل لاحقة إلى جانب الانزلاق الذي بات يُقابَل باعتراضاتٍ علنية نحو جعْل التكليف وتحديد موعد الاستشارات النيابية لإنجازه «رهينةَ» التوافق على التأليف، وهو ما يشكّل انتقاصاً من موقع رئيس الحكومة الذي يسميه النواب حصْراً في استشارات ملْزمة بنتائجها لرئيس الجمهورية، ومن دور الرئيس المكلف في التأليف.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك