أيها اللبنانيون، جامعتكم الوطنية يتهددها خطر وشيك مع تحولها إلى "مربع أمني" لقمع الحريات وكمْ الأفواه، والبطل هذه المرة رئيسها "الملك" عدنان السيد حسين، الذي ارتضى أن يكون "جائزة" ترضية غير مرضية لجمهور الجامعة اللبنانية، بعد انتقاله من دور "الوديعة" إلى "الوزير الملك" إلى "تربّعه" على "المربع الجديد".
أيها اللبنانيون، جامعتكم الوطنية التي أرست الحرية مداميكها ورفعت جدرانها، وخرّجت أجيالاً من الأحرار وقادة الرأي والفكر والمثقفين والسياسيين الكبار، تعيش زمنها القمعي الرديء، في ظل أيادٍ سود، تمعن في تلطيخ صورتها الحرّة الناصعة البياض.
ولعل ما يجري من انتهاك لحريات الجامعة وأساتذتها وطلابها، هو فصل من فصول مسلسل الارتكابات لرئيس الجامعة الدكتور عدنان السيد حسين، ومنه، تشكيل لجان استشارية مضخمة على حساب هيئة المستشارين القانونية، ومن بينهم الدكتور وليد جابر وهو أستاذ في الجامعة بالساعة وفي الوقت نفسه قاضٍ في مجلس شورى الدولة، والمفارقة أنه مكلّف من هذا المجلس النظر في شكاوى الجامعة، ما يعني أنه يتحوّل إلى متهم وقاضٍ في آن.
والسؤال المريب الذي يطرح نفسه هو ان هذه اللجنة وبدلاً من أن تقوم بالتحقيقات في ارتكابات بعض العمداء واحالتهم على النيابة العامة المالية، يمعن رئيس الجامعة في قمع الحريات، وآخرها توجيهه كتاب تنبيه الى أمين الاعلام في الهيئة التنفيذية لرابطة الاساتذة المتفرغين ومنسق قطاع التربية والتعليم في تيار "المستقبل" الدكتور نزيه خياط. وهذا ما يفسر كيف ان الطعون التي يقدمها الأساتذة لم يتم التحرك بشأنها، لأنها وبكل بساطة لا تُحال على مجلس الجامعة، إنما إلى القاضي جابر الذي يجمّدها، كما ان رئيس الجامعة لم يدعو حتى الآن الى عقد اجتماعات رسمية مع الهيئة الاستشارية القانونية التي عينها مجلس الوزراء.
وهذا الانتهاك القانوني الصارخ الذي يمثل نموذجاً فاضحاً لتضارب المصالح في الاستيلاء على حقوق الناس يوضع برسم رئيس مجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر ليضع حلولاً سريعة باعطاء العدالة مجراها واعطاء كل ذي حق حقه.
والفضيحة ان جابر ليس عضواً في الهيئة الاستشارية في الجامعة التي يرأسها صادر وتضم قاضيين من ديوان المحاسبة ومجلس شورى الدولة التي عطّل عملها.
والواقع ان عدنان السيد حسين، وهو نفسه "الملك" الذي كان يعبّر عن آرائه بكل حرية، يفرض اليوم "كتباً تنبيهية". وهو الذي تخلّى عن كرسيّه الحكومي طاعة لحزب السلاح، وأطبق على نَفَس حكومة الوحدة الوطنية التي كان يرأسها الرئيس سعد الحريري. كان حينها الوزير التوافقي الذي برهن أن التوافق يسير بمحاذاة خطّه المسيّس. وعلى سبيل المكافأة، حطّ به صاروخ "قادر" على كرسي رئاسة الجامعة اللبنانية لينفذ فيها حكم قراقوش.
ذلك أن الجامعة اللبنانية التي كانت رافعة التغيير والتطوير والإنماء الثقافي وأطلقت الحداثة والتعددية.. بات فيها التعبير عن الرأي ممنوعا. ويسعى رئيسها اليوم الى تخريج طلاب في صفوف أساتذة يريدهم لا يسمعون، لا يتكلمون ولا يرون. فقد الصرح الجامعي حرية التعبير التي كفلتها حقوق الإنسان، فلا بدّ أن تنعكس نتائج سياسة "كمّ الأفواه" على قرار الأهل والتلامذة الذي يريدون أن يتابعوا تعليمهم في جامعتهم الوطنية. في السابق حمل طلاب الجامعة همومها على أكتافهم، لكن الخوف اليوم أن يهرب الطلاب من هموم الجامعة وكأن هناك من يسعى الى تشريدهم الى جامعات أخرى لإفراغ صفوفها من أبناء الوطن. فالطالب العشريني لا بدّ أن تحمله هواجسه الى السؤال عن إمكانية التعبير الثقافي والفكري والسياسي في الجامعة اللبنانية. تلك التي كانت منبرا للنضال والمنافسة والتحدي والمغامرة، وها هي اليوم تغرق في "مربع أمني".
هكذا يريدها رئيسها "السيد" الذي تخرج بدوره منها مجازا في اختصاصات عدة. إذا لولا الجامعة اللبنانية لما تمكّن الدكتور عدنان السيد حسين من إصدار مؤلفاته الخاصة التي بالطبع كتب فيها ما هو مقتنع به بديموقراطية خالصة ومن دون أن يوجه له أي مسؤول، سيّد على نفسه أو على غيره، كُتبا تنبيهية! هنيئا للكاتب كتبه وبدعه غير القانونية وفتاواه الموجّهة وفقهه المظلم... لكن الجامعة اللبنانية خط أحمر.
هكذا يمارس السيد حسين القمع في الجامعة التي تخرج منها، موجهاً كتاباً تنبيهياً الى خياط. سابقة خطيرة يبشّر فيها السيد حسين بملاحقة قانونية، يحلّ فيها مكان مجلس الجامعة والحكومة.. ها هو ينقل الى الجامعة اللبنانية عصارة ثقافة السلاح ليقيم فيها أو يحوّلها الى "دويلة حزب الله".
يذكر خريجو الجامعة اللبنانية أن أستاذهم لا يزال حتى اليوم المثل الأعلى في عيونهم. لذا اختار كثيرون منهم أن يعلّموا في الجامعات التي تخرجوا منها، وهذا كان خيار رئيس الجامعة الحالي. آخرون تحوّلوا الى ميدان الصحافة، وغيرهم الى السياسة، فانتخب منهم وزراء ونواب ورؤساء ونقابيون. ربما الحياة السياسية فرّقتهم فتوزعوا في أحزاب مختلفة، غير أن ثقافتهم بقيت منفتحة على مختلف الآراء، يتقبلونها بديموقراطية كما تعلّموا من أستاذهم على مقاعد الجامعة اللبنانية. في العام 2012، يقدّم رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين مقابل كل رأي.. مقصلة.
ملاعب: صورة عن لبنان
نائب رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين وليد ملاعب يقول إن "الحريات الأكاديمية في الجامعة اللبنانية يجب أن تصان وأن يتم الحفاظ عليها. فالجامعة تبقى المنبر النخبوي المفترض أن تراعى فيها أصول التخاطب والتعاطي، وتكون الحريات مصانة فيها". ويبدي أسفه "لكون الجامعة باتت صورة عن لبنان، فقد باتت جزءا من المشكلة السياسية التي يعيشها لبنان وبكل تفاصيلها".
ويشرح ملاعب "المشكلة مرتبطة بإدارة الجامعة وبعلاقة الجامعة مع الهيئة التنفيذية. ويختم "نحن حريصون على صيانة الحريات وكل مساس فيها هو مساس ببنية الجامعة. وسيكون هذا الموضوع على جدول أعمال الجلسة التي ستعقدها الهيئة غدا الخميس، ويفترض أن يكون للرابطة موقف من الموضوع".
دحروج: الجامعة مستهدفة
من جهته، يرى الامين العام السابق للحزب الشيوعي فاروق دحروج أن خطوة رئيس الجامعة تشبه سائر السياسات والتدابير والقرارات التي تشهدها الجامعة التي تتجه نحو إفراغ الجامعة من استقلالية قرارها والحدّ من حرية الهيئة التعليمية أفرادا وهيئات وتجريدهم من حقوقهم الطبيعية عبر وجهات نظرهم لجهة إصلاح الجامعة وتطويرها." ويؤكد أنه "لا تفسير آخر لهذا التنبيه إلا المزيد من إفراغ المؤسسة من كل مقومات استقلالية قرارها مع ديموقراطية التعليم". ويشرح "نحن ضدّ كل تدبير يستهدف النيل من استقلالية الجامعة ومن الديموقراطية والحرية في الهيئة التعليمية. الجامعة اللبنانية مستهدفة من الطبقة السياسية، وإلا كيف نفسر سياسة الحكومات تجاه هذه المؤسسة الوطنية؟".
سعادة: المشكلة سياسية طائفية
ويشير رئيس الهيئة الإدارية لمصلحة الأساتذة الجامعيين في "القوات اللبنانية" الدكتور جورج سعادة الى أنه "يحق للأستاذ الجامعي الترشح للإنتخابات النيابية من دون أن يستشر أحدا، أي أن له الحرية الكاملة للتعبير عما يريده." وشرح بأن "أساس المشكلة سياسية طائفية، وهو ملف التفرغ وقد عين رئيس الجامعة مديرا من الطائفة الشيعية دون أن يعين مقابله مدير سنّي".
شاهين: كمّ الأفواه يؤثر على الطالب
من جهته، يقول عالم الإجتماع والأستاذ المتقاعد في الجامعة اللبنانية الدكتور جيروم شاهين "صحيح أن أساتذة الجامعة اللبنانية يعتبرون موظفين في الدولة إنما لا تسري عليهم الشروط نفسها لموظفي الوزارات الرسمية، لذا أقله على الأستاذ أن يتمتع بحرية الرأي والفكر". ويلفت الى أن "رؤساء الجامعة حاولوا مرات عدة منع الأساتذة من كتابة المواضيع في الإعلام، وهي خطوة "ما بتصير" في الجامعة". أما عن هواجس الطلاب فيقول "كمّ أفواه الأساتذة تؤثر في أجواء حرية التعبير التي يتمتع بها الطالب الجامعي وهو ما تكفله حقوق الإنسان، فكيف بالحري إذا كان الأستاذ أو الطالب في الميدان الجامعي".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك