المواجهة الكلاميّة بين تيّار المستقبل والتيّار الوطني الحر الى مزيدٍ من التصعيد. آخر وجوهها ما ورد مساءً في مقدّمتَي نشرتَي "المستقبل" والـ OTV.
فقد جاء في مقدّمة المحطة الناطقة باسم "المستقبل": شهيدان للجيش اللبناني وشهيدان لقوى الامن الداخلي ، سقطا دفاعاً عن طرابلس وأهلها في عملية ارهابية نفذها مجرمٌ ضال لا بيئة له سوى بيئة الأشرار الخارجين على قيم الدين والدنيا .
عبد الرحمن مبسوط ، ارهابي لا يملك من الرحمن واسم الرحمن شيئاً ، قرر القضاء على فرحة عيد الفطر المبارك في طرابلس ، فكان الجيش ورجال قوى الامن له بالمرصاد ، وانتصروا لطرابلس وكرامتها واعتدالها ، واحكموا السيطرة على الاوضاع وضبط الامور .
غير ان هناك من وجد في الحادث الارهابي ، فرصة جديدة للنفخ في الاحقاد والعودة الى ركوب أحصنة المزايدة والتفريق بين الجيش وقوى الامن الداخلي ، وإطلاق إيحاءات تعيدنا بالذاكرة الى زمن الحديث عن الداعشية السياسية والحملات التي نُظمت على تيار المستقبل في هذا السياق .
فبعد ساعات قليلة من نجاح الجيش والقوى الأمنية برفع كابوس الارهاب عن طرابلس ، انبرت اصوات من لون برتقالي ، توجه الاتهامات يميناً ويساراً وتسحب من أدراج الشر كلاماً طواه الزمن عن بيئات حاضنة للارهاب ، وعن الضغوط السياسية التي مورست لاطلاق الموقوفين الاسلاميين .
الوزير الياس بو صعب، إنضم على طريقته لهذه الجوقة ، وقال في معرض كلامه عن الارهابي مبسوط ، انه " سجن أقل من سنة بحكم صدر عن المحكمة ، وهو لا يريد ان بستبق التحقيقات لكن كل الضغوط التي كان يجري الحديث عنها وكل التدخلات التي يحكى عنها تتبين نتائجها في مثل هذه الاوقات " .
ربما الوزير بو صعب، "آخد على خاطرو" ان الرئيس سعد الحريري اتصل بوزيرة الداخلية وقائد الجيش ومدير عام قوى الامن الداخلي ولم يتصل به، فأخذته حميته الى القول "لست منتظراً ان يتصل بي وهو ربما يعتبر نفسه معني بقوى الامن أكثر".
وبغض النظر عما اذا كان الاتصال بوزير الدفاع مجدياً او غير مجدٍ، فمن الواضح ان الوزير الجهبذ اراد ان يسجل بين كل فقرة وفقرة من كلامه، سقطة سياسية من الطراز الرفيع، وهو قرر ان يتحدث عن قوى الامن الداخلي باعتبارها محمية حريرية، وقد فاته ان الرئيس الحريري رئيس للوزراء وانه مسؤول عن كافة القوى العسكرية والامنية، وان محمية الوطن عنده تتقدم على كل المحميات الطائفية والحزبية.
نعم، الرئيس الحريري معني بقوى الأمن الداخلي، وهذا أمر ٌيشرف أي مسؤول في الدولة اللبنانية، لكن تاريخه في السلطة وخارج السلطة يؤكد دوماً انه معني بكل القوى العسكرية والامنية، وبالجيش اللبناني تحديدا، الذي يبقى عنواناً للشرف والتضحية والوفاء، وهناك من يريد وضعه في خانته السياسية وتجيير اسمه ودوره وتضحياته لخدمة بعض الغايات السياسية الرخيصة.
فليتوقفوا عن التمييز بين المؤسسات، فليس هناك في هذه الدولة من هو ابن حرة وإبن جارية، فالقوى العسكرية والامنية بكل اجهزتها وقطاعاتها تعمل تحت سقف الدولة، وبأمرة القيادة السياسية للدولة وهي ليس مشاعاً مفتوحاً للاقتسام والمحاصصة.
سؤال أخير للوزير بو صعب، وكل الذين انتفضت غرائزهم لنبش البيئة المذهبية للارهابي عبد الرحمن مبسوط؛ هل تعلم يا معالي الوزير من هي المحكمة التي أصدرت الحكم على عبد الرحمن مبسوط لسنة ونصف السنة؟ وهل تعني أن المحكمة العسكرية كانت متهاونة في الحكم الذي صدر؟ ولماذا لم تسأل رئيس المحكمة العسكرية عن آلية اصدار الاحكام في المحكمة لدى زيارتك لها قبل يومين من الحكم بقضية سوزان الحاج وغبش ؟ أم ان الغبش عندما يغطي العيون تنشأ عنه زلة لسان يمكن سحبها من التداول عندما تدعو الحاجة؟
الوجع الذي حل بطرابلس صبيحة عيد الفطر المبارك، كان يستحق من بعض السياسيين والمعلقين والاعلاميين قليلاً من الرأفة بمشاعر الناس وببراءة الدم الطاهر الذي انسكب فوق تراب الفيحاء، بمثل ما يستحق الكثير الكثير من الإحساس بالمسؤولية وتجنب السقوط من جديد في متاهات المزايدات الرخيصة.
فلا جيشي اقوى من جيشك ولا امني احسن من امنك...
لبنان القوي لا يعني لبنان الرؤوس الحامية. قليلاً من التواضع والحكمة والتروي. نحن جميعاً في حمى جيش واحد وقوى امنية واحده ... نحن في حمى الدولة، ونقطة على السطر (بلا مزايدة) .
أما مقدمة النشرة البرتقاليّة فجاء فيها: مهما كان الإرهاب قوياً، فشهداء الجيش والقوى الأمنية دائماً أقوى، والنموذج اللبناني الذي ينبذ التطرف دائماً أقوى، وإيمان اللبنانيين بالانفتاح والتسامح والمحبة دائماً أقوى.
إنها المعادلة التي كرستها مرَّة جديدة عاصمة لبنان الثانية في الساعات الأخيرة، بعدما أرستها معارك لبنان مع الإرهاب في السنوات الماضية، منذ الضنية عام 2000 إلى نهر البارد عام 2007 وصولاً إلى عبرا عام 2013 والجرود الشمالية الشرقية عام 2017، حيث سطَّر أبطال الجيش والقوى الأمنية بطولات، وقدموا التضحيات، ورسموا بالدماء دائرة أمان أمنية حول الوطن، فشِل الإرهاب في خرقها أمس، ولو أن الألم كبير... وهي دائرة ثبتها اليوم من جديد الاجتماع الأمني الذي ترأسه رئيس الجمهورية في قصر بعبدا.
غير أن دائرة الأمان السياسي الضرورية أيضاً، حفاظاً على الاستقرار، باتت وفق أوساط معنية، تحتاج إلى تحصين، خصوصاً من منطق التحريض، ولاسيما التحريض الطائفي، القائم في الأساس على كلام افتراضي لم يُقَل، وهو-اي منطق التحريض- ما اعتمد في المدة الأخيرة من قبل البعض، لتظهر نتائجه بوضوح... فالتجارب أثبتت على الدوام قيام رابطة سببية بين تحريض من جهة، وتطورات مؤسفة من جهة أخرى. وأضافت الأوساط أن على رئيس الحكومة أن يبادر إلى ضبط الأمور، حرصاً على مصلحة الوطن، لأن ما يصدر عن جهات معينة، لا هدف له إلا حماية الفساد ومخالفة القانون، وللمزايدة السياسية، ومواصلة عملية شد عصب لا تنتهي عادة إلا بما لم يكن في الحسبان.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك