احتفلت أبرشية بيروت المارونية بعيد راعيها المطران بولس مطر في تذكار الرسولين بطرس وبولس، وقد ترأس المطران مطر الذبيحة الإلهية في كنيسة مار يوسف الحكمة، يحيط به الأباء كبريال تابت وبيار أبي صالح وعمانوئيل قزي، وشارك فيها راعي أبرشية الموارنة في البرازيل المطران إدغار ماضي وكهنة أبرشية بيروت ورهبانها وراهباتها ولجانها ومجالسها الأبرشية والراعوية. كما كانت مناسبة للصلاة على نية الخوري كبريال تابت رئيس مدرسة الحكمة هاي سكول في يوبيله الكهنوتي الفضي وعلى نية كل حاملي اسم القديسين بطرس وبولس من كهنة الأبرشية وأبنائها.
وبعد الإنجيل المقدس ألقى مطر عظة تحدث فيها عن صاحبي العيد وعلاقتهما بالمسيح وكنيسته، وقال: "عيد القديسين الرسولين بطرس وبولس، هو عيد الكنيسة، عيد وحدتها التي يخدمها بطرس والخلفاء من بعده، عيد تضامنها وقداستها وعيد بولس هو عيد رسالتها إلى العالم، فيكمل بطرس وبولس معا، عمل المسيح، ويكمل أحدهما الآخر، بصورة نبوية، لها دلالاتها الكثيرة".
وأضاف: "الكنيسة هي حضور المسيح في العالم، الكنيسة هي كرمة المسيح، ونحن فيها الأغصان، الكنيسة منذ إطلاقتها، تكلمت لغات عديدة: الأرامية والعبرانية واليونانية واللاتينية. منذ السنوات الأولى تكلمت اللغات الأربع وانطلقت إلى جهات الأرض الأربع، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، هذه الكنيسة، الرب أوكل وحدتها وخدمة وحدتها إلى بطرس، المسيح سأل بطرس سؤالا واحدا عما إذا كان يحبه، لأن المسيح يرى أن القيادة محبة، القيادة هي إلتفاتة، هي حضور وحوار ومسؤولية، بطرس سلم هذه القيادة، لتكون الكنيسة واحدة لراع واحد".
واردف: "في الألف سنة الأولى كان خلفاء بطرس، يسهرون على وحدة الكنيسة. في الألف الثاني تغير الأمر، وانقسمت الكنيسة شرقا وغربا، فضاع شيء من هذه الوحدة. ولما وصل البابا القديس يوحنا بولس الثاني، في مطلع الألف الثالث، قال للكنيسة جمعاء وللاهوتيين بصورة خاصة: إنظروا كيف كانت روما، تخدم وحدة الكنيسة في الألفية الأولى وعودوا اتفقوا حتى تخدم السدة البطرسية في الألف الثالث الوحدة على غرار ما كان الأمر، في الألف الأول، تاركين مصاعب الألف الثاني وهكذا العمل المسكوني انطلق في هذا البحث، من أجل وحدة الكنيسة ومن أجل شهادتها، بطرس أمين على هذه الشهادة، وكلنا يفرض علينا أن نكون أمينين على هذه الشهادة، أن نكون متحدين وأن نكون جسما واحدا، هو جسم المسيح بالذات. من غير الممكن، أيها الأحباء، أن نأكل ونشرب الدم والجسد الواحد ولنتحول بهذه الوحدة إلى حقيقة دامغة واحدة. من غير المعقول والمقبول، أن تبقى الكنيسة على هذه الحالة، تعطي عن ذاتها صورة غير موحدة. ولذلك يسوع صلى في بستان الزيتون طالبا من أبيه ليبقى تلاميذه بأجمعهم واحدا، كما أنا فيك وأنت في".
وقال: "نصلي اليوم في عيد القديس بطرس، على نية قداسة البابا والجسم الأسقفي في العالم كله وعلى نية سائر الكنائس وعلى كل الذين تعمدوا باسم يسوع المسيح، حتى نسعى كلنا من أجل هذه الوحدة بصلاتنا ومحبتنا وتفكيرنا، لنتقدم بنعمة الروح القدس في هذه الوحدة. عيد القديس بطرس مناسبة لنا، حتى نضع هذه الوحدة في قلوبنا وقضيتها في أفكارنا والعمل من أجلها، لنكون كنيسة واحدة، رعية واحدة لراع واحد. أما رسالة بولس، فهي رسالة تنطلق إلى الآخرين، إلى الذين لا يعرفون المسيح بعد، وهم كثر في هذا الكون. إذ إن المسيحية لا تتعدى الملياري نسمة والعالم صار سبعة مليارات نسمة. هناك 5 مليارات من البشر لا يعرفون ولا يعترفون بإلوهة يسوع المسيح وخلاصه، نحن أمام هذا الواقع، نتأمل بكل تواضع أمام الرب، ونقول له: يا رب أنت أردت منا أن نكون خميرتك في هذا العالم وحاملي سر خلاصك إلى الكون بأسره. أين نحن من هذه الرسالة؟
بولس رجل الإنفتاح على الأخرين، بولس يريد للكون بأسره، أن يتوحد باسم يسوع المسيح ويعمل على هذا الأساس. هو الذي صنع الأعجوبة وأخرج الكنيسة من الجو الفلسطيني واليهودي المحصور جغرافيا وتاريخيا وثقافيا وانتقل إلى الأمم، كل الأمم، إلى أصقاع الأرض. وقال بكل قوة لبطرس، ليس من الضروري أن يصير اليوناني والغريب يهوديا، ثم يصير مسيحيا، يمكن للغريب أن يدخل المسيحية مباشرة من دون المرور باليهودية. هذا ما عمل من أجله، الكنيسة انفتحت على كل شعوب الأرض. المجمع الفاتيكاني الثاني أدخل الكنيسة في العالم دخولا جديدا في السياسة والثقافة وفي الإجتماع وكل شؤون الحياة".
أضاف: "البابا يوحنا بولس الثاني حمل الإنجيل وزار الدنيا بأسرها ليحمل قوة الإنجيل إلى العالم ويصنع لقاء وحوارا مع الشيوعيين وغير المؤمنين ومع المبالين وغير المبالين، مع الأديان الشرقية والأديان العربية كلها، فتح حوارا عظيما مع الجميع ورأس هذا الحوار وشفيعه هو بولس. نسأله اليوم أيضا، أيها الأحباء، أن نكون مطواعين للروح كما كان هو مطواعا، وأن نخدم في حياتنا هاتين الخدمتين، خدمة بطرس وخدمة بولس، أي أن نرتب أمور كنيستنا وننهض بها إلى كل الأمم وكل الأرض، حتى يتم لنا كل شيء. هذه هي الأفكار التي نتأمل بها في عيد الرسولين بطرس وبولس وعندما نصلي لهما ونضرع إليهما، ليشفعا بنا وبرسالتنا ورسالة كل منا على هذه الأرض".
وأردف: "إني أحمد الله على هذه الأبرشية، أبرشية بيروت المحبة ليسوع المسيح. هذه الأبرشية التي تعرضت كثيرا في الحرب والأحداث والتي خسرت كنائس عدة، أكثر من سبعين كنيسة، هدمت كليا أو جزئيا. والحمدلله أننا بعد انتهاء هذه الحرب، لسنا نحن في المطرانية، من أعاد بناء الكنائس، حتى ولو كان لنا دور في بنائها، إنما الشعب المؤمن، شمر على سواعده، وقال: لن نعود إلى قرانا من دون أن نعيد مقدساتنا وكنائسنا إليها. فصار عندنا بدلا من سبعين كنيسة، تسعين كنيسة، من كنائس جديدة أو مجددة أو مرممة. هذا بفضل الله وتمسك أبناء الكنيسة المؤمنين بتراث أبائهم وأجدادهم. قاموا بأعمال عظيمة في بيروت وسائر المناطق، أي أنهم جددوا إيمانهم بيسوع المسيح وجددوا ولاءهم للبنان، الذي كان ويجب أن يبقى وطن الحوار والتلاقي بين المؤمنين من الأديان المتعددة. هذه هي رسالتنا".
وتابع: "ونحن في أبرشية بيروت نعيش في عاصمة لبنان وضواحيها، أي مع المسلمين سنة وشيعة ودروزا، مع المسيحيين من كل الطوائف، علينا واجب مثل بطرس، نحن المسيحيين، أن نثبت وحدة كنيستنا ومثل بولس أن نذهب بها إلى أصقاع الأرض وإلى كل لبنان من أجل تجدد هذه البلاد تجددا حقيقيا بالروح القدس ونعمة الله. هذه الأفكار أضعها في قلوبكم في هذا العيد المبارك، حتى نسأل الله بشفاعة رسوليه بطرس وبولس، أن يمنحنا القوة والنعمة والتمييز لنقوم برسالتنا كل حيث هو، فنكون مرضيين عند ربنا يسوع المسيح. هذه هي الرسالة في هذا العيد تأتينا من بطرس الكبير، بطرس المؤمن، بطرس القوي بربه والضعيف لوحده. رسالة تأتينا من بولس الذي يفتخر بنقائصه والذي يحب يسوع المسيح محبة لا حدود لها. كما بطرس أن تصبح محبتنا من دون حساب ومن دون حدود، مثل هذه الرسولين، أن تصبح رسالتنا نقية واضحة مثل رسالتهما، وأن نكون مرضيين لدى الله ونرث ملكوته معا وتسير أبرشيتنا وكنيستنا سيرها نحو المسيح، بشفاعة قديسيها ومؤمنيها ومحبي الرب جميعا".
وختم مطر: "نذكر في صلاتنا في هذا العيد المبارك كل حاملي اسم القديسين العظيمين بطرس وبولس في أبرشيتنا من كهنة وعلمانيين. كما نصلي ليبارك الرب الخوري كبريال تابت في كهنوته ومسيرته في خدمة الكنيسة في مؤسساتها الراعوية والتربوية، في مناسبة اليوبيل الفضي لسيامته الكهنوتية".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك