لم تكد تمر ساعات قليلة على اعلان الرئيس الاميركي دونالد ترامب نيته الانسحاب من سوريا قريبا جدا بعد هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) حتى خرج ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان ليقّر، في خطوة بالغة الدلالات سياسيا، بأن "الرئيس السوري بشار الاسد باق في السلطة" مستبعدا ازاحته وقآئلا "بشار باقٍ، لكن أعتقد أن من مصلحته ألا يدع الإيرانيين يفعلون ما يحلو لهم".
الاقرار السعودي الاول من نوعه في ما يتصل بالموقف من الرئيس الاسد بعدما كانت المملكة تضع في رأس قائمة اولوياتها تنحيته، يتخذ اهميته ليس من زاوية مضمون الموقف في حد ذاته بل ايضا من مكان وزمان صدوره، اذ ان ولي العهد، بما يرمز اليه الموقع السعودي الرفيع، وتحديدا في هذه المرحلة بالذات، صدر من واشنطن الموجود فيها بن سلمان منذ مدة حيث اجرى محادثات مع ترامب وكبار المسؤولين في الادارة الاميركية، لا بد انها وفّرت له ما يكفي من المعطيات عن خريطة الطريق التي تعدّها دوائر البيت الابيض لاتجاهات السياسة الاميركية في المنطقة عموما وسوريا خصوصا حملته على اطلاق كلامه هذا، كما تقول اوساط دبلوماسية غربية لـ" المركزية"، وجاء في توقيت بالغ الدقة اميركيا ودوليا مع احتدام المواجهة الاوروبية - الروسية على خلفية قضية محاولة اغتيال العميل المزدوج السابق سيرغي سكريبال التي تدحرجت بين دول اوروبا ككرة ثلج، تضامنا مع بريطانيا من جهة، وبلوغ العلاقات الاميركية - الروسية ذروة تأزمها في اكثرمن ملف لا سيما في الميدان السوري على رغم الحديث عن لقاء قد يعيد جمع ترامب ونظيره فلاديمير بوتين، لم تتظهر اي مؤشرات في اتجاه انعقاده قريبا باستثناء المواقف التي تلت اعادة انتخاب بوتين واتصال التهنئة الذي اجراه به ترامب ، ذلك ان هذا التأزم معطوفا على السخونة التي تولدها تهديدات الادارة الاميركية باطاحة الاتفاق النووي مع ايران يرفع منسوب القلق من تحوّل الغليان السياسي الى انفجار ميداني مسرحه دول في منطقة الشرق الاوسط وبخاصة تلك المصنفة بالخاصرة الرخوة الجاهزة ارضيتها للاشتعال في اي لحظة.
وتضيف الاوساط ان بن سلمان الذي اكد بما يشبه "المناشدة" على "ضرورة ان تُبقي واشنطن قواتها في سوريا على الأقل في المدى المتوسط إن لم يكن في المدى الطويل للتصدي للنفوذ الإيراني"، واعتبر "ان وجود القوات الأميركية في سوريا هو المجهود الأخير لمنع إيران من توسيع نفوذها مع حلفاء إقليميين، وهذا الوجود العسكري سيتيح لواشنطن الاحتفاظ بدور في تحديد مستقبل سوريا"، ينطلق في موقفه من هاجس القلق الذي يعتري دول الخليج عموما من تمدد النفوذ الايراني بين دول المنطقة على حساب العرب بدليل انه تحدث عن "الهلال الشيعي"، محذرا من ان "إيران ستنشئ بالاستعانة بالمليشيات التابعة لها والحلفاء الإقليميين ممر إمداد بريا من بيروت عبر سوريا والعراق وصولا إلى طهران. وإذا سحبتم تلك القوات (الأميركية) من شرق سوريا فستخسرون ذلك الحاجز الأمني، وقد يصنع هذا الممر أمورا كثيرة في المنطقة". ويعزز اعتقاده هذا، الى تجربة المملكة مع صواريخ الحوثيين الايرانية المصدر، ما لمسته الدبلوماسية الفرنسية خلال زيارة وزير الخارجية جان ايف لو دريان لطهران مطلع الجاري من تصّلب حيال اقتراحات مشروع الحل الفرنسي والنظرة " الاحتقارية" التي لاحظها لدى المسؤولين الثلاثة الذين التقاهم، الرئيس حسن روحاني، الامين العام للمجلس الاعلى للأمن القومي علي شمخاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف حيال دول الخليج وهي نظرة تعود جذورها الى اسباب تاريخية.
تبعا لذلك، تعتبر الاوساط ان موقف ولي العهد السعودي يطرح علامات استفهام واسعة حول الاتجاهات التي ستسلكها رياح التغيير الاميركية المقبلة على المنطقة والى اين يمكن ان تقودها، في ضوء ما تصفه بالتناقض بين نهج التشدد الذي تعتمده ادارة ترامب والذي يوحي بمواجهة حاصلة في وقت غير بعيد ، والارجح في شهر ايار المقبل موعد اتخاذ القرار الاميركي بشأن الاتفاق النووي ووضع الحجر الاساس للسفارة الاميركية في القدس، والموقف الحديث حول الانسحاب من سوريا الذي يؤشر الى اعادة نظر في الاستراتيجية العسكرية الاميركية في المنطقة وما يمكن ان تؤدي اليه. فهل ثمة طارئ استجد اخيرا حمل واشنطن على قلب مواقفها وقراراتها اودفع ببن سلمان الى اطلاق موقفه التحذيري، ام ان ما تعرب عنه يشكل مرآة لتصور قد يبدأ بالانسحاب من سوريا والتسليم ببقاء الاسد لدخول مرحلة جديدة عنوانها تركيز المواجهة على ايران حصرا؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك