كتبت صحيفة "المستقبل": أن يستخف فريق لبناني بمحاولة اغتيال رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع ليس بجديد. فقد اعتاد اللبنانيون تصرفات سياسيي ومحازبي ذلك الفريق المستهزئة بالموت والشماتة التي لا تنمّ سوى عن إفلاس سياسي وغير سياسي ايضاً. ثانية واحدة فصلت بين جعجع والموت على حدّ تعبير مصدر "قواتي" من معراب لـ "المستقبل"، وثانية واحدة أيضا رمت بالشتّامين من مسؤولين ومحازبين أمام شاشات الكومبيوتر والانترنت والتلفزيونات.
أنهى جعجع مؤتمره الصحافي الذي روى فيه بدقة للرأي العام تفاصيل محاولة اغتياله، وما هي إلا ثوان حتى ازدحمت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي بالمواقف الساخرة من قصة رجل سياسي بارز ربّما رأى الموت بأمّ عينيه. فتحولت محاولة الإغتيال الى حديث المواقع تحت عنوان "جعجع والرصاصة والزهرة"، ففرّغوا غيرتهم المشحونة غيظا مما وصل إليه جعجع محليا وعربيا وعالميا، وما لبث أن دعّم هؤلاء نكاتهم الساخرة بصور مرفقة بـ status أو تعليقات يشبّهون فيها جعجع بأبطال الأفلام الأميركية وأشهرها "مايتريكس" وبعضهم شبهه بقصة "شابيرون روج".. ومن المفيد أن يلاحظ هؤلاء أن الـ le loup أو الذئب في قصة الأطفال الأخيرة لا يحمل سلاحا سوى احتياله، أما في مسألة اغتيال جعجع فالذئب أو الذئاب الذين رصدوا تحركاته كانوا يحملون أسلحة من "العيار الثقيل" تاركين سلاح الإحتيال والمكر ليستخدمه طابور الشمّاتة والمستهزئين.
وإذا سلّمنا جدلا أن لا عقيدة أسمى من الحقيقة كما يقول علم النفس، يبقى أن يقرر الإدراك البشري أن يختار ما بين الحقيقة والوهم، من هنا يكون الهروب الى الوهم هو الوجه الآخر من الحقيقة.. ولأن شعب 14 آذار اختار أن يعرف الحقيقة في كل عمليات الإغتيال ومحاولات الإغتيال، قرر الفريق الآخر أن يعيش في وهم فبركاته وابتكاراته التكنولوجية.. ومن التعليقات التي نشرها الشباب الذين لا تشدهم سوى الأفلام الأميركية والتركيبات الهندية، كما تستأثر تلك القصص بمن "لا شغلة ولا عملة" له سوى متابعتها لملء شواغر وقته: شاك نوريس، جيمس بوند وسوبرمان لم يكونوا قادرين على سماع الطلقة عن هذا البعد الا أن جعجع قد فعل. فقط في لبنان تنتقل الأصوات أسرع من الطلقات. فقط في لبنان تعبر مسافة 3 و4 و5 كيلومترات وتحدث فجوتين في حائط وتبقى أكثر بطأً من الصوت. جعجع، صاحب القوى الخارقة، لم يستطع فقط سماع الطلقة تعبر مسافة3 و4 و5 كيلومترات، بل وقد استطاع الاختباء أيضا..
ولم يسلم عضو كتلة القوات النائب أنطوان زهرة من التعليقات فكانت "الزهرة" من نصيبه في الجزء المتعلق بقطفها وهي التي انقذت حياة جعجع، والربط بين "الزهرة والربيع" في إشارة الى "الربيع العربي" والثورات. ومن الأخبار العاجلة التي تتلطى وراءها مشاعر لا تمتّ الى الإنسانية بصلة: في هذه الأثناء طائرة أباتشي تطارد جعجع أمام حديقة منزله، فراشة تنقذه. عاجل: سمير جعجع يعلن أن الوردة العجائبية هي من فصيلة الكوكليكو وليست مارغريت يرجى الإنتباه. غداً الإنطلاق من فؤاد شهاب إلى معراب الساعة الرابعة لزيارة الزهرة العجائبية. يمنع إدخال أي سماد أو بذر أو أي نوع كيمائي قد يؤثر عليها. منيح بلش الربيع... تخايلو ما يكون بعد طلعوا الزهور. سمير جعجع مرشح لجائزة أوسكار عن أفضل فيلم "الزهرة والقناص". "شابيرون" جعجع كان عم يقطف زهرة لما الشرير لولو قوص عليه وما صابو".
في الواقع، إن مواقف المسؤولين السياسيين من الفريق الآخر حملت المحازبين على اتباع هذه الإستراتيجية الإستخفافية، فالمسيرة الحزبية التي تربط الطرفين "عمياء"، ولا بدّ أن بعضهم لم يسلم من انقطاع "التيار" خلال تحضيره إحدى هذه الصور على البرامج المتخصصة بتزوير الصور وتشويه التاريخ. وعلاقة التاريخ متينة بداتا الإتصالات "المتبخرة" والتي أفادت معلومات أمنية بأن التحضير لعملية الإغتيال تم بعد أيام من قرار وزير الاتصالات نقولا صحناوي حجب "الداتا" عن الأجهزة بصورة تامة! وفي حين أكد وزير الداخلية مروان شربل أن "الأجهزة الأمنية ما زالت تجري تحقيقاتها بشكل متواصل منذ وقوع الحادث، لكن هذه التحقيقات ستبقى سرية إلى حين الوصول إلى النتيجة التي نأمل بالتوصل إليها في وقت قريب"، كاشفاً عن "إجراءات أمنية مشددة اتخذت لحماية جعجع وكل الشخصيات التي نعتبرها في دائرة الخطر"، يطل وزير الثقافة غابي ليّون ليقول "انا لست رجل أمن لكي أحكم في موضوع محاولة اغتيال الدكتور جعجع، وهو أخبر مني بالملف الامني"..
في هذه الحال، لا يمكن إلقاء اللوم على الاشخاص العاديين اذا كان ساستهم على هذا الشكل، وعلى حدّ قول الشاعر "إذا كان رب البيت بالطبل ضاربا، فشيمة أهل البيت كلهم الرقص". ومهما كثرت تشبيهات محاولة اغتيال جعجع بأفلام ومسلسلات وقصص من نسج عقول لا تحسب أي حساب للحظة الموت والإغتيال التي يعيشها لبنان منذ العام 2004، فكأنهم يقفون ضمن فريق "شاهد ما شفش حاجة"، حيث أنهم عايشوا أصعب فترات الحزن والموت دون أن يكونوا شاهدين على "سكرة" الموت ورهبته.. وفي الناحية الأخلاقية، يؤكد مصدر "قواتي" من معراب أنه "لمن البشاعة أن لا يحترم المرء الموت أو الوجع، وهذا دليل إفلاس أخلاقي وإنساني عند الفرق الآخر، لأن ما تعرض له جعجع ممكن أن يتعرض له أي مسؤول في لبنان يعمل في الشأن العام والسياسة". ويضيف المصدر "بشع أن يتم التعاطي مع كل ما له علاقة بالحياة أو الموت أو المشاعر الإنسانية بطريقة لا أخلاقية حيث تخطت التعليقات الإطار السياسي". ويتابع المصدر: "القوات" لا تفبرك فيلما بوليسيا حيث أن البعض اتهمنا باستغلال الحادثة، متسائلا "بم استغليناها؟ كنا هادئين وتصرفات المحازبين القواتيين أثبتت مرة جديدة أن الحزب يهدف الى إقامة حياة سياسية طبيعية ويريد الدولة ضمن ثقافة السلام. لم نخطط ولم نقم بأي رد فعل غير مسؤول". ويوضح المصدر ان "الفريق الآخر حر باستخدام الوسائل التي يريد لكن الأهم من السياسي والعمل السياسي هو أن لا نفقد قيم الإنسانية في داخلنا.. وللأسف كل هذه الصفات غير موجودة عند الفرق الآخر. فلا مشكلة أن يكتبوا النكات، ولا مشكلة أن يعتبروا ما حصل مع الحكيم فيلم مكسيكي، ولا مشكلة أن يكتبوا مواقفهم وآراءهم على مواقع التواصل، لأن هذا يدل على أنهم لا يتمتعون بأي حس أخلاقي وإنساني وبالتالي نحن لم نخسر شيئا، بل نشكر الله في هذا العيد أن الحكيم بخير، وهذا أهم من كل التعليقات".
ويختم المصدر "أقل من ثانية فصلت بين سمير جعجع والموت، هذه الثانية أهدانا إياها الله، ونحن نتوقف عندها، ولن ننجر للتصرف بأي طريقة لا أخلاقية أو لا إنسانية مع ما يقومون به من سخريات وأفلام. فالحزب بما وصل إليه اليوم وبرأي المحللين والإختصاصيين وردود فعل الدول الكبرى، ليس بحاجة الى كل هذه الفبركات لتعريض أمن الحكيم وحياته واستغلال ذلك سياسيا.. فالقوات تثق بنفسها".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك