على مشارف بداية سنةٍ جديدة يختزلها عنوانا الانتخابات النيابية واختبار "العالَم" للبُعد العملي لتفاهُم "النأي بالنفس" عن أزمات المنطقة وصراعاتها الذي تعهّد بالتزامه كل أفرقاء الحكومة اللبنانية، تتزايد المؤشرات على "معركة مبكرة" أطلقها "حزب الله" على جبهتين: الأولى "اقتياد" الواقع الداخلي الى الاستحقاق النيابي بشروطه وبقواعد يعمل على رسْمها تباعاً بـ "خطوطها الحمر" التي تلاقي "هدفه الأمّ" بالإمساك بالإمرة الشرعية عبر صناديق الاقتراع، والثانية قيادة "جبهة مقاومة موحّدة في كل الساحات" تستعمل "راية" القدس وفلسطين مجدداً كواجهةٍ لوُجهة جديدةٍ لـ "المحور الإيراني" وميليشياته في مرحلة ما بعد "داعش".
ولم يكن أكثر تعبيراً عن هذا التوجه من الكلام الذي أطلقه نائب "حزب الله" نواف الموسوي والذي اعتُبر بمثابة "قرْع طبول" حربيْن، واحدة سياسية برسْم الانتخابات النيابية التي حُدد موعدها في 6 مايو المقبل، وثانية "استباقية" بدتْ في سياق "حجْز" ربْط نزاع جديد من خلف خطوط "النأي بالنفس" الذي يحاول الحزب "النفاذ" من استثنائه الصراع مع اسرائيل (بشقّه اللبناني) للانخراط في مواجهة "هدفها المعلن" اسرائيل والولايات المتحدة، في حين أن مداها الفعلي يرتبط بالمنازلة المفتوحة و"حرب النفوذ" في المنطقة، ولا سيما مع دولٍ عربية يريد المحور الايراني إكمال "المعركة" معها من زاوية جديدة عبّر عنها الحزب باتهام هذه الدول بأنها شريكة لواشنطن في ما أسماه "صفقة القرن" حول فلسطين.
فالنائب الموسوي دعا "فصائل المقاومة الفلسطينية جميعاً، مهما كانت خياراتها ونهجها، الى أن تتوحد معنا ومع فصائل المقاومة العربية كي نبلور قيام جبهة مقاومة على مدى العالم تأخذ على عاتقها حشد الموقف من أجل مواجهة العدو الصهيوني والهيمنة الاميركية"، مضيفاً: "نحن في المقاومة وفي (حزب الله) بدأنا بإجراءات عملية وميدانية لتوحيد جبهة المقاومة على جميع الجبهات وفي كل الساحات بحيث إذا كان أعداؤنا يتحالفون في ما بينهم فأقلّ الواجب علينا أن نتحالف في ما بيننا".
وتابع الموسوي: "نستطيع القول ان الانقسام بين 14 و 8 آذار (في لبنان) قد تغيّر ونحن اليوم أمام فريقين، فريق يقدّم أولوية الوفاق الوطني والحفاظ على السلم الأهلي ويرسم الوحدة الوطنية على سائر ما عداها من التزامات وأجندات او ما الى ذلك، وفريق في لبنان أصبح معروفاً بالأسماء، فريق الحرب الأهلية، هذا الفريق أعلن استعداده لتنفيذ أوامر بعض الأنظمة الاقليمية والدولية، حتى لو أدى ذلك الى إعادة إطلاق الحرب الاهلية، وهؤلاء أقلية ومعزولون ويجب الحفاظ على عزلتهم"، ليختم: "في المقابل يتوسّع فريق الوحدة الوطنية ولا سيما أننا مقبلون على تحديات واستحقاقات في طليعتها الانتخابات النيابية والحفاظ على النظام المالي والدخول الى نادي الدول النفطية، نادي انتاج البترول بصورة شفافة ونزيهة".
وإذا كان كلام الموسوي حول «جبهة المقاومة» هو التتمة من "الزاوية الأوسع" للسقف الذي سبق أن رسم عنوانه العريض الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله قبل أن تَبْرز إشارات "ميدانية" الى قرارٍ بتحويل لبنان "مقاومة لاند" للمحور الإيراني من ضمن شعار "وحدة الميادين"، فإن الشقّ الداخلي من موقفه لم يأتِ أقلّ خطورة، حسب أوساط سياسية، اعتبرتْ ان "فوق السطور وتحتها وبينها» نية واضحةٌ في استثمار مناخ ما بعد أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري لتكريس "إبعاد" سلاحه عن "الأسلحة الانتخابية" التي تشكّل عصَباً لبعض خصومه لاستنهاض قواعدهم على أسس سياسية، ملاحِظة في الوقت نفسه ان الحزب يحاول فرْز اللبنانيين بين إما مع التسوية بشرْط وضع سلاحه "على الرفّ" وإما "مع الحرب الأهلية"، مع تصويبٍ خفي ولا يَخفى على أحد على حزب "القوات اللبنانية" انطوى أيضاً على رسالة ضمنية الى الرئيس الحريري في ظل تَقدُّم مسار إعادة وصْل ما انقطع في علاقته مع حليفته "القوات" إبان أزمة الاستقالة.
ولم يتأخّر حزب "القوات" في التقاط "الإشارة" والردّ عليها عبر وزير الإعلام ملحم الرياشي الذي غرّد قائلاً: "ان توصيف بعض من 8 آذار أن الصراع اليوم بين دعاة الاستقرار ومعزولين يريدون الحرب الأهلية، هو توصيف صحيح"، لافتاً الى "ان الفارق يكمن في ان المعزولين في كلامه، هم أنفسهم المنفتحين على العالمين العربي والدولي ومتمسكين بالاستقرار والشرعية فقط، بينما دعاة الاستقرار في كلامه، هم أنفسهم من يكشفون لبنان على مخاطر عقوبات وحصار وناشطين خارج الشرعية".
وفي السياق نفسه، شدد رئيس جهاز الإعلام والتواصل في "القوات" شارل جبور على أنّه "لا يجب أن يمرّ تصريح الموسوي مرور الكرام، خصوصاً انّه الثاني بعد السيد نصرالله، ما يؤشّر إلى أنّ "حزب الله" في صدد التحضير أو التمهيد لشيء ما، الأمر الّذي يستدعي سريعاً مساءلة الحزب وتحذيره من مغبّة توريط لبنان في حروبه الإقليمية المفتوحة وللحسابات الإيرانية نفسها".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك