لم يكن غريباً أن لا يتحرك أي من المعنيين لمعالجة الاشكالية المستمرة منذ ثلاث سنوات والمتعلقة بجمع رئيس هيئة «أوجيرو» ثلاثة مناصب معاً منها اثنان بالوكالة. حتى قرار هيئة التفتيش المركزي الذي أوصى وزارة الاتصالات «النظر بالوضع الوظيفي» ليوسف مرّ كأنه لم يكن. تماماً، كما حصل سابقاً مع قرارات أخرى من ديوان المحاسبة أو غيره.
مع ذلك، فإن مصادر متابعة للملف تؤكد أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لم يعد مستعداً لرفع الفيتو ضد تصحيح وضع يوسف، إلا أنه تردد أن أي خطوة تستهدفه بشكل مستقل لن يكون بوارد الخوض فيها. من هنا، يؤكد هؤلاء أن الحل لن يكون إلا في سياق شامل، ومن ضمن ورشة التعيينات، المعلقة حالياً.
ربط ميقاتي لملف يوسف بملف التعيينات أزاح الحمل عن ظهره ووضعه على ظهر الخلاف الدائم بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون. كما استطاع أن يعطي رسالة استباقية إلى كل من يهمه الأمر من العونيين الذين يطالبونه منذ اليوم الأول لتأليف الحكومة بإزاحة يوسف، بأن العنوان لم يعد في السرايا، بل في قلب الرابية، التي صار عليها أن تحل فرامل مركبة التعيينات المتعثرة.
في المقابل، فإن البعض يرى أن ربط ميقاتي لمسألة «أوجيرو» بالتعيينات يوحي بأن الأمرين صارا بعيدين، فلا تعيينات ستحصل ولا نظر بوضع يوسف الوظيفي سيتبعه.
بعيداً عن الحل السياسي، فإن المعركة بين وزير الاتصالات نقولا صحناوي وبين يوسف ما تزال على حالها. لا يترك صحناوي مناسبة إلا ويسعى فيها إلى الحد من نفوذ رئيس الهيئة، فيما الأخير لا يتوقف عن الإشارة بأن الأمر له فيما يتعلق بقطاع الاتصالات.
آخر الاشكالات العالقة بينهما قرار من صحناوي يكلف يوسف بصفته مديراً عاماً في الوزارة (المدير العام للاستثمار والصيانة) بثلاث مهام لتنفيذها، تصب جميعها في خانة «إزالة الالتباس من ذهن الناس بأن «أوجيرو» هي وزارة الاتصالات». أولها طلبه من المدير العام اعتماد نموذج جديد للفواتير يتضمن الشعار الجديد للوزارة، بعدما كان النموذج القديم يطغى عليه اسم الهيئة ويبرزه بخط كبير يفوق الخط الذي كتب فيه اسم الوزارة.
لم يرفض يوسف تنفيذ هذا الطلب صراحة، ولكنه، ممارسة، ربط التنفيذ بتأمين الأموال اللازمة لطباعة فواتير جديدة أو دفع كلفة استبدال الطابعات الموجودة بطابعات ملونة. فيما لم يكن مطلوباً منه أكثر من تنفيذ ما طلب منه، بالمتوفر من الإمكانات، كأن يطبع الأوراق الجديدة على الطابعات الموجودة حالياً وباللونين الابيض والاسود، لاسيما ان الوزير نفسه كان قد أشار في طلبه إلى إدراج النموذج الجديد ضمن نظام الكومبيوتر وسحب المعلومات الخاصة بالمشترك على أوراق بيضاء. واللافت أيضاً أن يوسف كان قد أشار في رده الأول على الطلب أنه سينفذه بعد انتهاء المخزون الحالي من الاوراق والذي يكفي حتى نهاية نيسان، قبل أن يعود بعد إصرار الوزير على التنفيذ، إلى ربط هذه المسألة بتأمين الأموال اللازمة، علماً أن المدير العام هو من عليه أن يحضر الأرضية اللازمة لأي مناقصة إذا ما استدعت الحاجة لا أن يطلبها من الوزير.
بعد الفواتير، طلب صحناوي إزالة لوحات «أوجيرو تيليكوم» عن مباني ومراكز الوزارة مقابل رفع لوحات باسم الوزارة متضمنة الشعار الجديد. وكان لافتاً للانتباه أن يوسف رفض التنفيذ «وقائياً»، خوفاً من أن لا يوافق مجلس الوزراء على المناقصة. وبالتالي، فقد أكد على ضرورة إعداد دفتر شروط وتأمين الاعتماد اللازم وإطلاق عملية تلزيم للأشغال المطلوبة، قبل القيام بأي خطوة في هذا المجال. وفيما دعاه صحناوي إلى البدء بتنفيذ القرار خلال أسبوع، فقد أشار يوسف إلى «تعذر تنفيذ المطلوب خلال هذه المدة»، علماً أن مصادر الوزارة ترى أن إزالة اللوحات التي وضعتها «أوجيرو» على مباني الوزارة، هي ليست إلا إزالة لتعدٍّ، وبالتالي فإنها من مسؤولية المعتدي («أوجيرو») الذي لا يجوز بأي حال أن يطالب بالمال من المعتدى عليه، أما فيما يتعلق برفع لوحات جديدة، فذلك أمر آخر، ولا يحق لموظف أن يوقف تنفيذ قرار وزير من أجله. علماً أن المطلوب من المدير العام أن يقوم هو بالخطوات التحضيرية لمثل هذه المناقصة.
الخلاف الثالث كان حول اسم هيئة «أوجيرو» نفسه. فقد دعاها صحناوي إلى العودة على استعمال اسمها القديم وليس «أوجيرو للاتصالات» المستعمل حالياً، بدون الاستحصال على إجازة قانونية، مؤكداً أنه لن يقبل أي معاملة ترد من الهيئة إذا استخدمت التسمية الجديدة.
«أوجيرو» من جهتها، أبرزت مستنداً يؤكد أنها استحصلت على شهادة تسجيل علامة فارقة بالاسم الجديد من مصلحة حماية الملكية الفكرية، مؤكدة انه يحق للهيئة استعمال هذه العلامة الفارقة على جميع مطبوعاتها ولوحاتها الإعلانية كشركتي الخلوي على سبيل المثال («ميك 1» اسمها «الفا» و«ميك 2» اسمها «تاتش»).
وإذا كان اعتراض الوزارة على التسمية يعود إلى الغاية نفسها من اعتراضها على ما سبق، أي منعاً لإيحاء «أوجيرو» بأنها هي المسؤولة عن قطاع الاتصالات في لبنان، أو على الأقل، على الهاتف الثابت، فقد رأى مصدر متابع أن هذه الخطوة من قبل «أوجيرو» هي بدعة لا مكان لها في المؤسسات العامة، التي عليها أن تعود حكماً إلى مجلس الوزراء لتغيير اسمها.
المواجهة الأعنف بين الطرفين كانت عندما طلب صحناوي من يوسف بصفته المدير العام للاستثمار والصيانة تنفيذ مهمة الرقابة على الهيئة فيما يتعلق بالمسائل العالقة (تعديل الفواتير واللوحات والعودة إلى الاسم القديم).
هذه النقطة بالتحديد استدعت استنفاراً من يوسف بصفتيه (رئيس هيئة «أوجيرو» والمدير العام للاستثمار والصيانة)، ففي 8 آذار الحالي أكد يوسف في كتاب موجه إلى الوزارة أن سلطة «أوجيرو» هي سلطة وصاية مقيدة وليست مطلقة أو هرمية، موضحاً أن سلطة الوزير لا تنطوي على إمكانية توجيه الأوامر والتعليمات لأجهزة «أوجيرو» التي تتمتع بصفة الشخص المعنوي ذي الاستقلالية المادية والإدارية، كما لا تنطوي هذه السلطة على إمكانية توجيه القرارات القاضية بتكليف الهيئة بمهام من أي نوع كانت بشكل عام أو تكليف أي جهة في الوزارة للقيام بهذه المهام، ليخلص الى أن المديرية العامة للاستثمار ليس لها أي سلطة تخلوها القيام بأعمال الرقابة على الهيئة، طالما أن لا عقود بينهما للقيام بمهام محددة.
في 12 آذار عاد يوسف وأكد بصفته المدير العام للاستثمار والصيانة على ما قاله بصفته رئيس «أوجيرو».
بعيداً عن تغاضي رد «أوجيرو» على وزارة الاتصالات عما نص عليه البيان الوزاري للحكومة الحالية لناحية اعتبار الجهتين «كجسم واحد»، فهو يعيد القضية إلى بدايتها، إلى العام 1974، تاريخ إنشاء الهيئة «لاستلام وإدارة منشآت راديو أوريان».
في العام 1975 كان ما يزال 75 موظفاً متبقين في «راديو أوريان»، وللحفاظ عليهم كلفت الهيئة حينها بالمكننة في وزارة الاتصالات (إصدار الفواتير على «الدكتيلو») .
بعد نحو عشرين عاماً استفاد الرئيس رفيق الحريري من مرسوم التكليف ذاك وبدأ بنقل موظفي الوزارة إلى «أوجيرو» والتوظيف فيها، إضافة إلى نقل عقود عمل إليها. كل ذلك كان يتم بقرارات في مجلس الوزراء تنص على أن «مجلس الوزراء يوافق على تلزيم هيئة أوجيرو أعمال الصيانة أو التشغيل أو طباعة كلام وتيليكارت...»، بما شكل خروجاً عن الأعراف التي تشير إلى أن المجلس لا يكلف مباشرة، بل يوافق على طلب وزارة الاتصالات.
هذه الصيغة كانت تشكل، أيضاً، مخالفة صريحة لقانون إنشاء وزارة الاتصالات وقانون إنشاء أوجيرو الذي حدد مهامها، والتي على أساسها أعطاها الاستقلالية المالية والادارية.
هنا، يؤكد مصدر قانوني أن الصيغة التي اتبعت أعطت «أوجيرو» حالة من الحصانة التي تسمح لها بأن تقوم بكل أعمال الوزارة من دون أن تخضع لها. علماً أن مجرد تكليفها بهذه المهام كان حكماً يتطلب مراقبتها. أي بمعنى آخر بعدما تخطت الهيئة قانون إنشائها وتوسع نشاطها صار من المستحيل الالتزام بالمادة التي تنص على استقلاليتها المالية والادارية. ومع ذلك فقد استطاعت الحماية السياسية التي كانت تحظى بها الهيئة، بجعلها مع الوقت المسؤول الأول عن قطاع الاتصالات، حتى أنها كانت تروّج لنفسها بوصفها «المشــــــغل الوطني لقطاع الاتصالات في لبنان».
المحاولة الجدية الأولى لمعالجة هذا الوضع الشاذ جرت في العام 2010، عندما حاول وزير الاتصالات السابق شربل نحاس أن يضيف مادة في الموازنة تنص على أن إعطاء «أوجيرو» الكلفة الفعلية لأداء المهام المطلوبة منها. أي على سبيل المثال، لو طلب منها تمديد كابل هاتفي إلى إحدى المناطق النائية، فإن الوزارة تدفع ثمن الكابل الذي تعود ملكيته لها بطبيعة الحال، إضافة إلى الكلفة الفعلية لتركيب هذا الكابل والتي هي عملياً رواتب العمال والموظفين فقط، طالما أن أوجيرو هي هيئة لا تبغي الربح.
عندما رفض هذا البند من قبل مجلس الوزراء، قام نحاس بإلغاء العقود الموقعة مع الهيئة واستحصل على رأي من ديوان المحاسبة يسمح للوزارة أن تكلفها بممارسة المهام التي تقوم بها ضمن مبدأ استمرارية المرفق العام وعلى أساس الكلفة الفعلية. وبالتالي، صار مطلوباً من الهيئة أن تقدم الفواتير المطلوبة لأي عمل تقوم به لمصلحة الوزارة، التي كان من البديهي أن تراقب كيفية تنفيذ هذا العمل حتى تدفع مقابل تنفيذه. وبالتالي، فإن المسؤول الأول عن المحاسبة والمساءلة على هذه الأعمال هي الوزارة أي مالكة القطاع.
ورداً على قول يوسف بأن إلغاء العقود لم يعد يسمح للوزارة بالرقابة، يذكر مصدر مطلع أن يوسف نفسه كان يرفض أي رقابة على تنفيذ العقود في السابق، لا سيما أن أحد أسباب إلغائها كان رفضه أن يقدم كشوفات مالية على الاعمال التي تقوم بها الهيئة لمصلحة الوزارة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك