احتفلت جامعة الروح القدس- الكسليك بمئوية كمال يوسف الحاج وباليوم العالمي للفلسفة، فنظّم مكتب نائب رئيس الجامعة للشؤون الثقافية بالتعاون مع "بيت الفكر- أسسية كمال يوسف الحاج" ندوة فكرية تحت عنوان "كمال يوسف الحاج بين الفلسفة القومية اللبنانية وفلسفة الأمة العربية"، في حرم الجامعة في الكسليك.
نصر
استهلّ اللقاء بكلمة تقديم للعميدة المشاركة في كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية الدكتورة كارين نصر ديمرجيان، وقالت فيها: " نحن اليوم مجتمعون لنحتفل سوياً بمئوية كمال يوسف الحاج الممتدّة من 17 شباط 2017 إلى 16 شباط 2018، والذي تنظمه جامعة الروح القدس بالتعاون مع بيت الفكر - أًسسية كمال يوسف الحاج. هذه المئوية وضعها البطريرك الراعي تحت رعايته بقداس تدشيني في 17 شباط 2017. ونحن اليوم في النشاط التاسع المواكب لليوم العالمي للفلسفة نواصل تخليد ذكرى الكمال الكامِل".
الريحاني
بدايةً، ألقى رئيس "بيت الفكر- أسسية كمال يوسف الحاج" البروفسور أمين الريحاني كلمة معتبراً أنّ "هذه الندوة الاحتفاليّة مختلفة عن سواها إذ إنّها تطرح أسئلة وإشكاليّات فلسفيّة أثارها الحاج في مصنّفاته وطروحاته الفكريّة الشائكة والمتعدّدة الجوانب، ومن أبرزها: هل يمكن لفكرٍ قوميّ معيّن ألّا يتطابق مع فكرة الأمّة التي تنتمي إليه هذه القوميّة أو تلك؟ أو، هل يمكن للأمّة أن تتوزّع إلى عدد من القوميّات وتنتمي كلّ واحدةٍ منها إلى الأمة عينها؟ لئن نجح الحاج في تحويل مسألة الطائفيّة من عنصر تفسّخيّ إلى عنصر توحيديّ، نظريّا، فإلى أي مدى تمكّن من تحقيق هذه الوحدة القوميّة على المستوى التطبيقيّ الواقعيّ فعليًّا؟ وفي ظلّ الواقع السياسيّ المرير الذي نعيشه اليوم في هذا المشرق المتألّم، وتحديدًا هنا في لبنان، يتساءل قارئ الحاج، إلى أيّ مدى تمكّن صاحب الالتزام القوميّ من توظيف النصلاميّة في خدمة هذا الالتزام؟ من زاوية أخرى، كيف يمكن للطائفيّة، حتى بوجهها الإيجابي، أن تنتقل من دور تفكيك الدولة إلى دور توحيد الدولة؟ ما هو السبيل للوصول إلى تحقيق الدولة الحديثة إن نحن دخلناها من عتبات النصلاميّة والقوميّة؟ مثل هذه الأسئلة تحتفل بكمال الحاج لأنها تدعو إلى مناقشة فكره وتحديث فهمنا لهذا الفكر خدمةً للبنان واللبنانيّين".
وتابع: "أودّ، بهذه المناسبة، أن أعلن باعتزاز كبير أنّ صباح هذا اليوم قد جلس كمال يوسف الحاج سعيدًا على كرسيّه الموسوعيّ في البيبليوغرافيا الوطنيّة اللبنانيّة التي أطلقتها مؤخّرًا مؤسّسة الفكر اللبنانيّ التابعة لجامعة سيّدة اللويزة، وذلك على موقعها الإلكترونيّ المخصّص لكبار رجالات أهل القلم في لبنان منذ القرن السابع عشر حتى اليوم. وأغتنم هذه الفرصة لأتوجّه بخالص الشكر والامتنان، باسمي الشخصيّ، وباسم اللجنة المركزيّة لمئويّة كمال يوسف الحاج، إلى جامعةٍ شكّلت، وما تزال، صرحًا من صروح الفكر اللبناني والفلسفة اللبنانيّة لأنها أدركت أنّ القيم الفكريّة اللبنانيّة، وأعلامها من أمثال كمال الحاج، هي في أساس وجود لبنان بل في أساس جوهر لبنان. وقد بنت جامعة الروح القدس تاريخًا في هذا الاتّجاه، وهي تستحقّ منا كل تقدير وإكبار".
الأب حبيقة
ثم كانت كلمة رئيس جامعة الروح القدس- الكسليك الأب البروفسور جورج حبيقة اعتبر فيها أنّ "مسار كمال يوسف الحاج الإنساني والفلسفي والسياسي والوطني يتقاطع بشكل كامل مع مسار سقراط وأفلاطون معاً. ففي حياته لا انفصام البتّة بين التذهّن والكفاح، بين الفلسفة والسياسة. يقول في فلسفة الميثاق الوطني: "حيث تنتهي السياسة تبتدئ الفلسفة. والعكس بالعكس. حيث تنتهي الفلسفة تبتدئ السياسة. أما قيل بأن السياسة هي فلسفة واقعية، وبأن الفلسفة هي سياسة مثالية؟"[7/ميثاق، 37] الفلسفة والسياسة تتداخلان وتتكاملان كمحرّك أحد لمجرى التاريخ نحو مصبّه الاسكاتولوجي. يقول كمال الحاج في هذا الصدد: "لا قيمة لقيم لا يناضل الإنسان في هذه الدنيا من أجل تحقيقها. إنّ القيم لا تتحقق بمعزل عن الإنسان. ذلك أن الله ما أوجدها لتظلّ عالقة في عالم المثل. لقد خلقها من لدنه كي تتحقق في دنيا الآدميين... في المجتمع البشري. وتحقيقها يستلزم انخراطاً بين الناس، ونضالاً، وحرماناً، واستشهاداً... أعني سخاء الدّم" (٧/معترك)".
وأردف قائلاً: "تخليدا لمؤسس الفلسفة اللبنانية بقلمه المنتشي بالعالم اللاّمحسوس والميتافيزيقي الآتي، وبدمه، دم إفناء الذات والاستشهاد نصرة لرسولية الكيان اللبناني التي وضعها البابا القديس يوحنا بولس الثاني على منصّة المرجعية العالمية للدول غير المتجانسة والمتعدّدة ثقافيا ودينيا وحضاريا، يسرني أن أعلن عن إطلاق "كرسي كمال يوسف الحاج للفلسفة اللبنانية" في جامعة الروح القدس الكسليك. وزخما لهذه الانطلاقة، ونظرا لطاقاتها الفكرية والإدارية والإنسانية واندفاعها الذي يتضاعف قوّة في العمل والكدّ، يطيب لي أن أعين البروفسورة هدى نعمة، نائبة الرئيس للشؤون الثقافية، مديرة ﻟ "كرسي كمال يوسف الحاج للفلسفة اللبنانية".
وختم بالقول: "مع إطلاق أول كرسي في الجامعة، على اسم كبير من فلاسفة الشرق، لا يسعني إلا أن أثمن عاليا لفتة الأستاذ ربيع فرام الكريمة وسخاءه، الذي ينظر إلى فلسفة الحاج كرافعة فكرية شبيهة بالروح التي خاطبت إرث أثينا الفكري، وشرّعت أبوابها لعشّاق المعرفة والبحث عن المطلق، وحضنت العقل المتوسطي القائم بجوهره على التعدّدية والتواصل كنموذج عابر للحدود، كما أسهمت، إلى حدٍّ غير مسبوق، في تطوير التراث الإنساني الثقافي والمعرفي. فتكون بذلك الفلسفة اللبنانية خميرةً تخصب التنوّع الفكري وتجفّف موارد الفكر الانصهاري والأحادي، نصرةً لكرامة الإنسان المشرقي وحقّه في فلسفة تآلف الاختلاف".
الأب أبو طانوس
ثم تحدث رئيس مجلس أمناء "بيت الفكر- أسسية كمال يوسف الحاج" قدس الأب العام مالك أبو طانوس، وقال: "كمال الحاج هو رجل لبنان كما ذكر سيدنا البطريرك، وكلنا نشهد لهذا، ونفتخر فيه. كما تفتخر الجامعة بأن يرتبط بها اسم كمال الحاج، الذي هو قيمة مضافة للبنان، وهكذا تكون الجامعة قيمة مضافة إلى أسسية بيت الفكر". وختاماً توجّه بالشكر إلى الجامعة ورئيسها والبروفسورة نعمة والأعضاء في أسسية بيت الفكر ومجموعة كمال الحاج بدايةً في جامعة سيدة اللويزة، وآل فرام، والوزير ميشال إدة والسيدة ماغي الحاج زوجة كمال الحاج".
نعمة
بعد ذلك ألقت نائبة رئيس الجامعة للشؤون الثقافية البروفسورة هدى نعمة كلمتها، واعتبرت "أنّ إطلاق "كرسيّ كمال يوسف الحاج للفلسفة اللبنانية" من جامعة الروح القدس ينطوي، في معناه العميق وبعده التربوي، على حقيقة ساطعة، ألا وهي استحالة طمس الفكر الحرّ والمبدع في لبنان كما في الشرق برمته. إنّ هذا الحدث المنيف هو توطيد للفلسفة اللبنانية كفكر عامل له إسهامه الإبداعي في دنيا الكلمة الفلسفية".
وتابعت بالقول: "بالفلسفة اللبنانية يشارك لبنان العالم في تطوّره، ومن أصيل تراثها يخاطبه مسائلا إياه في نهجه، ومن وحي حكمتها يجادله في صنع قراراته، مؤكّدًا على حضوره الفاعل في ترسيم فلسفة حيّة، صالحة لزماننا. إنّ "كرسي كمال يوسف الحاج للفلسفة اللبنانية" تحمل رسالة فكريّة وثقافيّة منفتحة على الفلسفة القديمة، والفلسفة العربية، والفكر الإنسانيّ العالميّ، لأنّ الفلسفة اللبنانية هي مجرى حيّ من مجاري التراث القلميّ الإنسانيّ الباقي".
ثم أكدت على "التواصل الدائم مع القيّمين على كلّيّة الفلسفة والعلوم الانسانيّة في الجامعة، ومع القيّمين على "بيت الفكر- أسسيّة كمال يوسف الحاج"، ومع كوكبة من الفلاسفة اللبنانيّين وغير اللبنانيّين، من أجل وضع برنامج عمل للكرسيّ ابتداء من العام الجامعيّ ٢٠١٨-٢٠١٩، بحيث تصبح منبرًا مميّزًا لاستشراف معنى لبنان الكلمة ورسوليته".
وأعلنت أنّ "تاريخ الخميس ١٥ شباط ٢٠١٨ سيكون موعدًا لمحاضرتي التدشينيّة حول "كرسيّ كمال يوسف الحاج للفلسفة اللبنانيّة"، حيث أفصّل مراميها الكبرى وبرنامج عملها للسنوات الأولى، وفيه، أوّلًا، إدراج مقرّر بعنوان "مدخل الى الفلسفة اللبنانيّة" في إطار موادّ الثقافة العامّة المعتمدة في الجامعة ابتداء من العام ٢٠١٨- ٢٠١٩، وثانيًا، العمل على ترجمة كتاب "الطائفية البنّاءة أو فلسفة الميثاق الوطنيّ" لكمال يوسف الحاج بهدف توطيد البعد العالميّ للفلسفة الكمحجيّة المجسّدة لهوّيّة لبنان الثابتة، العابرة للأديان والايديولوجيّات، والباقية على الزمن بفضل صيغتها الميثاقيّة. ولن يخلو البرنامج المذكور من تنظيم مؤتمرات وندوات، وإصدار دراسات بحثية، والإشراف على أطروحات دكتوراليّة ورسائل ماستر حول الفلسفة اللبنانيّة أو حول فلسفة كمال يوسف الحاج".
وختمت بالقول: "وقد يكون أحد أعزّ الأهداف، في إطار برنامج العمل المنشود، أن يتمّ توفير أفضل الفرص لوضع أوّل رسالة ماستر في الفلسفة اللبنانية من قلب هذا الصرح العريق في مطلع العام ٢٠١٩-٢٠٢٠. فبمثل هذا الإنجاز تشهد جامعة الروح القدس على أنّها حاضنة الفكر وذاكرة الوطن، ورحم الفلسفة اللبنانيّة منذ أعتق أزمنتها الآرامية-الكنعانية-الفينيقية وصولًا الى كمال يوسف الحاج، وامتدادًا متألّقًا إلى ما بعده".
الندوة
ثم أدارت الندوة البروفسورة نعمة، وشارك فيها كل من الأستاذ الياس الحاج من الجامعة اللبنانية الذي قدّم محاضرة بعنوان "قوميتي لبنانية، أمتي عربية" والمحامي والباحث الأستاذ شادي طبر متطرقاً إلى موضوع "فلسفة القومية اللبنانية والبعد الطائفي" والأستاذ جوزف معلوف من الجامعة اللبنانية الذي كانت له مداخلة بعنوان "هل تتعارض نظرة كمال الحاج إلى الطائفية مع مفهوم الدولة الديمقراطية الحديثة؟" وقد تبع الندوة افتتاح معرض "كمال يوسف الحاج سيرةً ونتاجاً في صور" في مكتبة الجامعة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك