لا يتوقّع رئيس مكتب الدفاع لدى المحكمة الخاصة بلبنان فرنسوا رو أن تحصل تغيّرات كبيرة في العلاقة ما بين المحكمة والحكومة التي يجري العمل حاليًا على تشكيلها في لبنان. وحتى إن قرّرت الحكومة العتيدة سحب جميع القضاة اللبنانيين العاملين في إطار المحكمة في ليتشيندام، فإنّ المحكمة لن تتوقّف.
لا يُعتبر فرنسوا رو من أولئك الذين يحبّون استقطاب الأضواء. فما عدا بضعة مؤتمرات صحافية قام بها، تُعتبر هذه المقابلة التي خصّ بها موقع “NOW Lebanon” المقابلة الموسّعة الأولى التي يجريها رئيس مكتب الدفاع بخصوص المحكمة الخاصة بلبنان. ولدى سؤاله عن سبب عدم ظهوره كثيراً في وسائل الإعلام، يجيبنا رو بأسلوبه المتواضع قائلاً: "لستُ في موقع استقطاب الأضواء وإعطاء التصاريح. فلماذا عساي أن أقوم بذلك؟ لا أرغبُ في الكلام إلاّ عندما يكون ثمة داعٍ له".
هل أنت حقاً غير قلق من احتمال أن تتغيّر العلاقة بين المحكمة الخاصة بلبنان، ولبنان في المستقبل القريب؟ لقد جرى نقاش حام حول المحكمة الخاصة بلبنان خلال السنوات الماضية القليلة. وقد انهارت حكومة سعد الحريري بسبب الخلاف حولها. فماذا لو لم تعترف بها الحكومة الجديدة؟
رو: دعنا أولاً ننتظر ونرى ما ستقوله الحكومة الجديدة. فثمّة اتفاقات وقّعتها الحكومة الماضية تُلزم الحكومة الجديدة. وأقصد بذلك القول، انظر الى بلد مثل بلجيكا، لم تكن لديهم حتى حكومة خلال الأشهر التسعة الأخيرة، ولا تزال بلجيكا تقوم بتصريف أعمالها بشكلٍ ما. لستُ معتاداً على التعامل مع المشاكل قبل وقوعها.
ولكن هناك رياح جديدة تهب على لبنان. فماذا ستفعلون إذا تم الإنقلاب سياسياً بشكل كامل على المحكمة الخاصة بلبنان في ظل الحكومة الجديدة؟
رو: سوف ألتزم موقف الأمين العام للأمم المتحدة في هذه المسألة. فالمحكمة سوف تستمر بعملها. هذا لا يغيّر في الأمر شيئاً. قد تسقط الحكومات ولكنّ الدولة تستمر. وهذا ينطبق كذلك على مذكّرة التفاهم التي وقعناها معهم السنة الماضية. سوف تبقى فعالة.
دعنا نتحدّت عن القرار الاتهامي. بما أنّك رئيس مكتب الدفاع، لا بدّ وأن تعرف محتواه؟
رو: لا، قطعاً، لا أعرف محتواه. لا أحد يعرفه. وحدهما المدعي العام وقاضي الإجراءات التمهيدية يعرفان ما جاء فيه. أرجوك ان لا تغفل عن تمييز ذلك. فعملنا لا يقضي بمعرفة محتوى القرار الاتهامي أو بالاستعداد له. إن مكتب الدفاع لا يتدخّل بالقضايا، فقط في مجال القانون؛ نحن لا نتدخّل في الحقائق. تخيّل أننا سنكون في المستقبل أمام أكثر من فريق دفاع مختلفين. إذا كنّا نتدخّل بالحقائق، فماذا عن النزاعات على المصالح التي قد تحصل؟ إنّنا هنا بهدف دعم فرق الدفاع المختلفة من الناحية القانونية، وبذلك فإنّنا لا ندري حتى الآن أي شيء عن القرار الظني.
هل من العدل أن يبقى القرار الاتهامي سرّاً؟ فبعد كل هذه السنوات من الانتظار، تمّ أخيراً إنجازه. ولكن لا يُسمح لنا بالاطلاع عليه.
رو: أنا في الواقع أدعم ما تقوله. وسوف أشرح لك السبب. في هذا القرار الاتهامي بالذات، أتخيّل أنّه سيتم ذكر أسماء أشخاص متهمّين بالتورّط باغتيال (رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق) الحريري. فماذا لو قال قاضي الإجراءات التمهيدية في نهاية الأمر "لا أوافق على هذا الشخص. لا أريد إعلان هذا الاسم". إنّ الإبقاء على محتوى القرار طي الكتمان هو في مصلحة المتهمين، لسبب بسيط هو أنّ المتهّم بريء حتى تثبت إدانته. وهذا هو الحل الأفضل في هذه المرحلة.
ولكن فكّر بشعور اللبنانيين. الناس بحاجة لمعرفة ما ينطوي عليه القرار، ألا تظن ذلك؟
رو: أتفهّم سؤالك. ودعني أقول لك إنّ العاملين في هذه المحكمة يعملون بأقصى سرعة ممكنة. وهذا ينطبق على المدعي العام (القاضي دانيال بلمار) وقاضي الإجراءات التمهيدية (دانيال فرانسين). وسوف نحصل على قراره بأسرع وقت ممكن.
ماذا عن التسريبات إلى وسائل الإعلام اللبنانية؟ هل سيضر ذلك بعمل مكتب الدفاع مستقبلاً؟
رو: لا تعليق لدي. هذا السؤال يجب توجيهه للمدعي العام وليس لمكتب الدفاع. وتعليقي الوحيد هو أنّنا حالياً في مرحلة حيث كل شيء مرتبط بالتحقيق يجب أن يبقى سرياً. هذا هو القانون.
ماذا عن جميع النقاشات في لبنان، مثلاً حول مسألة شهود الزور؟ يبدو أنّه تحوّل الى ما يشبه المسلسل التلفزيوني.
رو: أتخيّل أنّه سيقوم في المستقبل فريق دفاع ويتولّى ملاحقة هؤلاء الأشخاص المعيّنين. بالنسبة لي، لم يُقفل هذا الملف إطلاقاً. تابعتُ النقاش الحاصل في الصحافة، ولكن تذكّر أنّ هؤلاء الأشخاص أدلوا بشهادتهم أمام فريق التحقيق، ووقعوا عليها بأنفسهم. بإمكانك دوماً أن تستدعيهم للمثول أمام المحكمة لشرح ما حصل أمام القاضي. وعلى فرق الدفاع المستقبلية أن تقرّر كيفية التعامل مع هذا الموضوع.
نظراً لجميع الهجومات التي تتعرّض لها المحكمة الخاصة بلبنان، هل أنت نادم على توليك هذه الوظيفة؟
رو: نادم؟ لستُ نادماً أبداً. ولماذا أكون نادمًا؟ هذا تحدٍّ في غاية الأهمية. هذه هي المرّة الأولى التي يكون فيها مكتب الدفاع في المحكمة الدولية هيئة مستقلة بذاتها. وهذا تقدّم مهم جداً، وخطوة كبيرة بالنسبة للعدالة الدولية. إنّنا في الواقع نبني هيأتنا القوية الخاصة. لقد عملنا بفعالية كبيرة منذ بداية المحكمة.
ألا تجري الأمور على هذا النحو في العادة؟
رو: في كافة المحاكم الدولية، يوجد قسم خاص مخصّص للدفاع عن المتهمين، يكون تحت سلطة رئيس قلم المحكمة. في الأساس هم موجودون هنا فقط من اجل توفير مساعدة قانونية. ولاحقاً، تم توسيع هذه المهمة في المحاكم الأخرى من خلال منح فرق الدفاع دعماً قانونياً. تمّ هذا مثلاً في المحكمة الخاصة بسيراليون ومحكمة كمبوديا.
في المحكمة الخاصة بلبنان، خطونا خطوة أبعد من ذلك. حيث مكتب الدفاع بات هيئة على قدم المساواة مع مكتب المدعي العام، وقلم المحكمة، أو حتى الرئاسة. نحن بالطبع نتولى المساعدة القانونية، ندعم فرق الدفاع عن الأفراد، وفوق كل ذلك، نحن مسؤولون عن إدارة شؤوننا الخاصة في إطار المحكمة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك