قرأت قبل أيام مقالا يحمل العنوان الذي اطرحه تساؤلا واستغرابا لمقالي هذا. مقال بدا خارجا للتو من مختبر فحص الولاء والانتماء والهوية، وكما درج البعض في لبنان وبقية دول العالم العربي على امتلاك حصرية تصنيف الاخرين ووسمهم بما يشاء من اوصاف، تقع معظمها في خانة العمالة لاسرائيل، وهي التهمة الاسهل والاكثر رواجا واستعمالا ضد المخالفين والخصوم.
شرع كاتب المقال في رسم سيناريو متخيلا بطله الاميركي من اصل لبناني البروفيسور وليد فارس، الذي لمع نجمه عربيا في الاونة الاخيرة نظرا للدور الذي لعبه في نجاح حملة المرشح دونالد ترامب الفائز بانتخابات الرئاسة الاميركية، وشغل البروفيسور فارس في الحملة منصب مستشار العلاقات الدولية وقضايا الشرق الاوسط ومكافحة الارهاب، كما قام بجهد لافت في حشد اصوات الاقليات من اصول عربية ومشرقية واسيوية وافريقية لصالح حملة ترامب. افترض كاتب المقال الاتهامي تفاصيل غريبة ساقها في اطار هوليوودي متخم بالاثارة، وروى بتقريرية مذهلة تاريخ الرجل خلال الحرب الاهلية وناقش افكاره وطروحاته بمعزل عن كل احداث الحرب وسياقاتها ومناخاتها، كالحديث بخبث عن بعض الافكار التي طرحت خلال فترة الحرب عن انشاء كيان مسيحي مستقل في لبنان، من دون الحديث عن التمدد الفلسطيني انذاك ومحاولة ابتلاع لبنان، وهذا مثال واحد فقط على الاسلوب الذي يتبعه بعض الكتاب في الاستخفاف بعقول الناس عبر سلخ الاحداث عن سياقاتها الزمنية وحشرها في مقالات اتهامية لا غرض لها سوى التشهير ومحاولة اختلاق ذاكرة مشوهة لسرد التاريخ.
وهنا ثمة سابقة تسجل في العمل الصحفي والاعلامي، لجهة القاء التهم جزافا على شخصيات معروفة ومرموقة ومن دون ان تنطوي تلك التهم الخطيرة على ادلة موثقة ودامغة، فتصبح الاتهامات وجهة نظر تحل كاتبها من اية تبعات قانونية او جزائية، فيصبح رئيس الجمهورية مزورا يحاول تهريب عائلته الى فرنسا، ويتحول مفكر عملاق كأمين معلوف الى منظّر صهيوني وضيع، ويمسي باحث اكاديمي متخصص كالبروفيسور وليد فارس (كائنا) اسرائيليا من اصول لبنانية! ناهيك عن الاتهامات الجماعية التي صدرت بحق من اطلق عليهم (شيعة السفارة) الذين تم تهديدهم وترهيبهم علانية وعلى صفحات الجرائد.
السؤال الذي اود طرحه هنا، لا يتعلق بسيل الاتهامات التي ساقها كاتب المقال ضد البروفيسور وليد فارس، ولا يحتاج الرجل لمن يدافع عنه او يكتب نبذة عن سيرته الاكاديمية الطويلة، بل عن مصدر الحماس الذي يدفع كاتبا لبنانيا للتشهير بشخصية لبنانية اصبح لها تأثير وحضور عالمي يثير الغبطة والاعجاب، خصوصا وان المقال لا يحمل ما يمكن ان يكون اضافة صحافية او تحقيقا موضوعيا او تحليلا له ابعاد سياسية متعلقة بتشابك المصالح في المنطقة وتقاطعها، كما لم يتطرق المقال وكل المقالات المشابهة التي كتبت عن البروفيسور وليد فارس الى حقيقة الافكار التي يطرحها الرجل ومناقشتها بموضوعية تحتمل الاختلاف في وجهات النظر، وهنا تأتي السطحية بمكان لتبدأ منذ اول حرف في عنوان المقال الهجوم والتسقيط والتخوين، ليسترسل بعدها الكاتب في سوق قوالب لفظية وتخيلات شخصية يصنع من خلالها حبكته الفارغة من اي مضمون او دليل، ليأخذ الناس بأجواء درامية على غرار افلام المافيا والعصابات الدولية. فيكشف للقارئ وللمرة الأولى وبالتفاصيل المشهدية كيف وصل وليد فارس الى الولايات المتحدة لتنهال عليه عروض المحطات والوكالات ومراكز الدراسات ليصبح فيما بعد مستشارا للعديد من الجهات الرسمية. وهو ما يثير استغراب الكاتب لأن الامر لم يحدث مع لبناني آخر، و لم يحدث معه تحديدا، وهنا يحيل السبب الى دعم الصهيونية الدولية، وبما ان الكاتب رجل لا يساوم على وطنيته وحبه لبلده، بخلاف البروفيسور فارس، لم يحدث معه شيء مماثل. وليس مهما هنا الحديث عن الشهادات والمواقع الاكاديمية والمؤلفات والدراسات والابحاث وسنوات الخبرة العلمية في اهم الجامعات الاميركية والاوروبية، فهذا تفصيل ثانوي، لا يجعل من المرء مستشارا او محللا استراتيجيا في محطة تلفزيونية بنظر كاتب المقال، لا بل هو الدعم الصهيوني بكل تأكيد. وعلى الرغم من كل ما حققه البروفيسور وليد فارس على الصعيد الشخصي خلال ٢٦ عاما يبقى الرجل (كائن عربي) اشبه بالمخلوقات الفضائية المجردة، ولأنه كان جزءا من حملة انتخابية تكللت بالنجاح، وقد يكون له دور مؤثر في الادارة الاميركية المقبلة للرئيس دونالد ترامب، يجب استحضار الحرب الاهلية فورا، ونصب محكمة تفتيش على عجل، واصدار احكام سريعة بالخيانة والعمالة غير قابلة للنقض! لماذا؟
هل لأن الرجل نظّر في الثمانينات وخلال الحرب الاهلية اللبنانية لدولة مسيحية محصنة من التمدد الفلسطيني الذي اراد ابتلاع كل لبنان؟!
ام لأن الرجل لديه مواقف مناهضة لتنظيم الاخوان المسلمين مثلا؟ او انه من المؤيدين والمتحمسين لمراجعة الاتفاق النووي الايراني؟ او ربما بسبب مواقفه المتشددة من الجماعات الارهابية والتنظيمات المتطرفة كداعش واخواتها؟ اذا كانت هذه المواقف والقناعات تمنح البروفيسور وليد فارس الجنسية الاسرائيلية حسب كاتب المقال، او تجعله الرجل القادم لتدمير الشرق الاوسط حسب آخرين، فكم هو عدد العملاء الذين يعيشون معنا في بلادنا وداخل احيائنا الضيقة وفي بيوتنا؟
يوصي الكاتب اولا واخيرا لبنان بألا يفخر بمواطنين كوليد فارس، او امين معلوف، (الاسرائيلي الآخر)، مهما كان لهم من ثقل وحضور سياسي واكاديمي، فلبنان اليوم، له الله، ومن يمثل الله على هذه الارض الطاهرة المباركة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك