بعد سقوط الهدنة في سوريا، تتعاظم أكثر فأكثر فكرة إقامة المنطقة العلوية، أو "سوريا المفيدة" وهو تعبير كان الروس يطلقونه منذ مدة على تلك المنطقة، وكان بعض المسؤولين الأميركيين يتوقعون حصوله منذ العام 2012، بحسب بعض التسريبات الديبلوماسية.
والمنطقة العلوية تعني تقسيم سوريا، ولولا هذا الهدف لما كان يتم قصف حلب بهذه الطريقة. وتعتقد روسيا ومعها النظام السوري، وفقاً لمصادر ديبلوماسية، أن بإمكانهما الحسم والسيطرة على حلب، وتغيير الوقائع على الأرض من الآن وحتى تسلّم الادارة الأميركية الجديدة الحكم في واشنطن، فيتم التفاوض من موقع قوي للنظام، اذا سارت الأمور كما يرغب وترغب معه روسيا. فهما بالحد الأدنى يتوقعان السيطرة واقامة "سوريا المفيدة"، والروس يعلنون شيئاً ويضمرون شيئاً آخر، حتى أن تطور الموقف في سوريا لم ينتظر تمرير افتتاح أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أجل تخفيف الضغوط، التي كثرت ولكن من دون جدوى ومن دون القدرة على استصدار قرار من مجلس الأمن، لأنه في حال طلبت أي دولة اتخاذ قرار جديد في مجلس الأمن حول سوريا ستقف روسيا حائلاً دون ذلك وستستخدم مجدداً "الفيتو".
كانت تعتمل في رأس الروس فكرة، أنه بعد الاتفاق على الهدنة سيضرب الأميركيون المعارضة المعتدلة، وهو الأمر الذي لم يحصل، لذلك لم يخسر الروس شيئاً.
فالهدنة لم تستمر، والأميركيون لم يضربوا المعارضة، وأظهرت موسكو نفسها أنها سعت الى التهدئة وقامت بجهود ولم تفلح.
وترجح الآن كفة المنطقة العلوية ما لم تحصل مستجدات أخرى. فتقسيم سوريا الى أجزاء وارد، ومنها منطقة الشمال للسنّة، بعدما يقوم النظام وبمعاونة روسيا، بما يشبه التطهير الديني، وبالضغط أمنياً وعسكرياً على المناطق السنية لهروب أبنائها من محيط دمشق الى الشمال، والمنطقة العلوية هي مصلحة روسية وتمتد من دمشق حتى الحدود مع لبنان لناحية البقاع وعكار. هذا السيناريو بات قريباً، وهو خطر على لبنان، لأن الدولة العلوية ستكون دولة معزولة دولياً، وكل ما سيتوفر لها سيتم عبر لبنان، ان كان اقتصادياً أو اجتماعياً أو الى حد ما أمنياً إن استطاعت.
وكذلك تصبح هناك رغبة مجدداً في استعادة نفوذ ما على لبنان، وأيضاً إن استطاعت هذه الدولة. من هنا على لبنان التنبه للتطورات خارج حدوده وانعكاساتها عليه، ومنذ العام 2012 عندما حلل الأميركيون إمكان حصول ذلك، قالوا إن على لبنان أخذ الحيطة.
ويتزامن هذا السيناريو مع رفض النظام وموسكو أي تسوية سياسية أو اتجاه للحسم في مجلس الأمن. والدول الغربية كانت ولا تزال راضية برئيس النظام في المرحلة الانتقالية، على أن يحصل مخرج لائق له بعدها. لكنه لا يريد التخلي عن شيء. وهناك احتمالان: إما الاستمرار بالحرب، أو التقسيم. وعندما بدأ بالتطهير في القرى المحيطة بدمشق، كان يجبر السنّة على المرور في مناطق خطرة وتابعة لـ"داعش" ليموتوا على الطريق.
ولاحظت مصادر ديبلوماسية عربية أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لم يتناول الوضع في سوريا في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا في أقل من فقرة. كما لم يتحدث عن رئيس النظام في الأساسي، إنما بقي حديثه في العموميات، داعياً الى الحل السياسي. هناك سياسة أميركية "هزيلة"، لا تقوم بالضغط الكافي في سوريا لتغيير شيء، لا ديبلوماسياً ولا عسكرياً ولا لناحية العقوبات.
أما الروس والايرانيون فنَفَسهم طويل. وحتى عندما تكون هناك امكانات للتهدئة، يقوم الأسد بالخربطة والتصعيد. والغريب أنه في أي اتفاق هدنة يكون الروس متكتمين ديبلوماسياً. هذه المرة الروس، والفرنسيون حتى، يطلبون من الأميركيين اعلان الاتفاق حول الهدنة التي لم تصمد. قد يكون من الصعب على الأميركيين أن يتقبلوا ما اتفق عليه في الهدنة، وأن يقولوا لحلفائهم الخليجيين مضامينه. وقد يكون هناك تنازل اضافي بالنسبة الى مصير الأسد.
كل ذلك مؤشرات الى أن أوباما وإدارته يتقبلان بقاء الأسد لمدة أطول.
هناك الآن مشاكسة أميركية - روسية قوية جداً حول الوضع السوري. وموسكو غير مرتاحة للسياسة الأميركية التي "تعلن شيئاً وتفعل شيئاً آخر" بحسب المصادر. انما لن يصطدم هذان الفريقان، بل ستؤدي الانعكاسات الى اطالة عذاب سوريا. وأفضل دليل وضع حلب ومشكلاتها، فلها أهميتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط وليس في سوريا فحسب، وما يحصل فيها تدمير كامل للتراث والتاريخ والاقتصاد.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك