كتبت صحيفة "النهار": لم تثن الازمة المالية التي تشهدها ايطاليا، ودول اوروبية عدة، الحكومة الجديدة برئاسة المفوض الاوروبي سابقا ماريو مونتي عن اعادة توجيه سياسة روما الخارجية، ولا سيما منها العربية والشرق الاوسط وفقا لتطورات "الربيع العربي". واذا كانت ايطاليا في طليعة المهتمين بتداعيات هذا الربيع على مكونات المنطقة وبالاخص المسيحيين انطلاقا من حرصها الدائم على اوضاع مسيحيي الشرق، فان الترجمة العملية لهذا الاهتمام يتوقع ان تتبلور في جولة عربية ينوي وزير الخارجية الايطالي غيليو تيرزي القيام بها على دول المنطقة، وبينها لبنان الشهر المقبل.
ووفقا لما افرزته الاتصالات في هذا الشأن، ثمة تنسيق جار على قدم وساق لتنظيم الجولة التي يفترض ان تتخللها لقاءات مع المسؤولين اللبنانيين، مع توجه لان تتزامن وقيادة ايطاليا مجددا القوة الدولية في جنوب لبنان نهاية الشهر المقبل، بعد انتهاء مهمة قائد "اليونيفيل" الحالي الجنرال البرتو اسارتا. كما يتوقع ان تواكب جولة رئيس الديبلوماسية الايطالية زيارة اخرى مرتقبة لوزير الدفاع الايطالي جيامباولو دي باولي الذي يفترض ان "يبارك" تسلم بلاده قيادة الامانة العسكرية مجددا في الجنوب اللبناني.
عمليا، يبدو جليا ان الاهتمام الايطالي بلبنان يواصل السير في خط بياني منتظم شكّل وزير الخارجية السابق فرانكو فراتيني المعروف بحرصه الشديد على أوضاع مسيحيي المنطقة احد دعائمه. وفيما ادرجت زيارة رئيس مجلس الشيوخ ريناتو شيفاني، عشية الميلاد، الى كتيبة بلاده المتمركزة جنوبا في اطار الرسائل الداخلية التي تسعى الى ابراز اهتمام الحكومة الجديدة برعاياها ولا سيما الموجودون في مناطق النزاعات، إلا انه تجدر الاشارة الى تزامنها مع مرور عام على زيارة سابقة كان ينوي ان يقوم بها فراتيني الى "بلاد الارز"، لكن التطورات الحكومية المتسارعة، لبنانيا آنذاك، وابرزها الفراغ الحكومي حال دون اتمامها.
في اي حال، يندرج التحرك الايطالي في اتجاه المنطقة وتحديدا لبنان في اطار عناوين اوسع. قد يأتي في مقدمها تأكيد الالتزام الاوروبي المتكرر باستقرار المنطقة عموما ولبنان تحديدا وصولا الى تنفيذ مندرجات القرار 1701 كاملة، وخصوصا في ضوء الاحداث الاخيرة التي طاولت هذا الحضور جنوبا. وقد عكست الرسائل المتبادلة بين الرئيسين الفرنسي نيكولا ساركوزي واللبناني ميشال سليمان هذا التوجه، بالتزامن مع الزيارة المقررة لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى باريس مطلع السنة المقبلة.
كما ان هذا التحرك لا يبدو منعزلا عن المقاربة الاوروبية الجديدة في اتجاه المنطقة، في ظل افرازات "الربيع العربي". وعنوانها الاساسي اعادة توجيه متكاملة لهذه السياسات في اتجاه شركة متوسطية اكثر فاعلية.
وبدت الخارجية الايطالية واضحة في تحديد "ألفباء" سياستها في هذا الاتجاه مع كلام تيرزي عن احتلال تعزيز العلاقات الاورو- متوسطية الاولوية في الاجندة الخارجية لبلاده وفي جدول اعمال الاتحاد الاوروبي، علما ان الموضوع حضر في اللقاءات الثنائية التي جرت بين المسؤولين الاوروبيين في بروكسيل اخيراً، فضلاً عن مداولات مجلس الاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية .
وتأتي زيارة تيرزي الى بيروت ضمن جولة اوسع تقوده الى القاهرة وتونس وليبيا حيث يحتل التعاون مع طرابلس وقعا مختلفا وخصوصا في ملفات الامن والهجرة والاقتصاد.
وفيما يتواصل العمل لعقد لقاء لوزراء خارجية الدول 5 5 الذي يجمع رؤساء ديبلوماسية دول ضفتي حوض المتوسط، الجنوبية والشمالية، في مقدمها اسبانيا وايطاليا وفرنسا ودول المغرب العربي ومالطا والبرتغال في نابلس مطلع السنة الجديدة - وهو الاجتماع الاول من نوعه منذ اندلاع الثورات العربية - يتوقع ان تحتل التطورات في سوريا حيزا مهماً من مناقشاته.
وكان وزير الخارجية الايطالي واضحا في تشديده على تأثيرات الازمة هناك على وضع منطقة المتوسط كلاً باعرابه عن قلقه حيال تواصل العنف في سوريا مع توقيع دمشق اتفاق الجامعة العربية، ومجددا دعوته لتحقيق شروط انتقال سياسي للسلطة.
ولم يتوان عن الاشارة الى عاملين، اولهما تصاعد التيارات الاسلامية الراديكالية، واصفاً هذا الامر بالتحدي المفترض مواجهته بأساليب بينها بالحوار، اضافة الى مشروع القرار الروسي في مجلس الامن والذي يشكل على حد قوله رسالة قوية الى النظام السوري وخصوصا بالنسبة الى احتمالات التدويل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك