لم يبقَ من معظم المؤسّسات الدستوريّة في لبنان إلا اللافتة أو الاسم. حكومة مشلولة بالكاد تصرّف الأعمال ومجلس نيابي معطّل وفاشل لم يحقّق في ستّ سنوات أيّ إنجازٍ تشريعيّ يُذكر. القضاء تتآكل جسمه التدخلات السياسيّة. يبقى الجيش الذي هناك من يصرّ، منذ أشهر، على نحره على مذبح السياسة، بعد أن ذُبح في الميدان مراراً نتيجة وهن السلطة السياسيّة.
تحوّلت الترقيات العسكريّة الى مادة إعلاميّة منذ أسابيع. لا يمرّ يومٌ من دون مطالعة مقالٍ يرسم سيناريوهات ما يُسمّى "تسوية" أو "صفقة" لتمرير هذه الترقيات. بُحث الأمر في لقاءات سريّة بقيت بعيدة عن الإعلام، كما بُحث في الخلوة التي تبعت جلسة الحوار الأخيرة. سياسيّون يعلنون، صراحةً، عن مطالبتهم بإتمام الترقيات، ويرفضها آخرون، ويتجنّب البعض إعلان موقفٍ منها، في حين يترك فريقٌ الباب مفتوحاً أمام سائر الاحتمالات.
نحن هنا أمام عمليّة ذبحٍ للجيش اللبناني الذي يتعرّض اليوم الى أسوأ ما يمكن أن يتعرّض له جيشٌ خارج ميدان الحرب.
سياسيّون يتدخّلون بشكلٍ سافر ومخزٍ بشؤون المؤسّسة العسكريّة تأميناً لمصالحهم الخاصّة، فيطرحون، على الطاولات نفسها التي تتمّ عليها صفقاتهم، أسماء ضبّاط يرشّحونهم للترقية، ويوزّعون الحصص تماماً كما يوزّعون مغانم الوزارات والإدارات التي يتولّون مسؤوليّتها.
ليست هذه الطبقة السياسيّة فاسدة وحسب، بل هي وقحة ولا تتهاون في عقد الصفقات، ولو على حساب المؤسّسة التي يُفترض أن تبقى منزّهة عن التلوّث السياسي الذي عمّ غالبيّة المؤسّسات.
وإذا كان السياسيّون، من 8 و14 وما بينهما، على استعداد لعقد الصفقات وتوزيع "الجبنة"، حتى العسكريّة، في ما بينهم، فإنّنا نعوّل على الضبّاط الشرفاء لكي يواجهوا الصفقة التي يُعدّ لها، ويشيروا بأصابع الاتهام الى من يقف وراءها ومن يشارك فيها وأن يضعوا استقالاتهم في وجه من يريد الدوس على كرامتهم وانتمائهم الى المؤسّسة العسكريّة، فقط لا غير.
فهل يفعلها هؤلاء... إن فعلها السياسيّون؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك