ليست المرة الاولى ولن تكون حتما الاخيرة يقع الخلاف العلني بين "تكتل التغيير والاصلاح" وحلفائه وشركائه في الحكومة. فمنذ ان قال الوزير جبران باسيل ابان التحضير للانتخابات ان جزين ستحرر وخاض عون معركته فيها في وجه الرئيس نبيه بري، والامور بينهما تنام "على زغل". وحين قال باسيل العام الماضي ردا على قطع طرق بسبب انقطاع الكهرباء، إن "أعلى نسبة جباية وأقل نسبة تعديات تُسجّل في المناطق المسيحية"، فتح عليه ابواب الانتقادات واتصل به بري وزاره وفد من "حزب الله" لتطويق ذيول الاشتباك السياسي. واستمر منوال الخلاف من حكومة الرئيس سعد الحريري الى حكومة اللون الواحد، من تعيين المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم، الى ملفي لاسا وترشيش والتعيينات المعلقة، وانتقاد رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون وباسيل المقاومة لأنها لا تقاوم الفساد في الداخل، مما استدعى تدخلا مباشرا من قيادة "حزب الله"، وصولا الى قبول الحزب تمويل المحكمة بعدما رفضها عون، في اسلوب استهدف التكتل ووضعه في واجهة عرقلة عمل المحكمة ورئيس الوزراء معا.
لكن المفارقة ان الوتيرة بدأت تصبح سريعة، حتى إنه لا ينقضي اسبوع من دون ان يقع الخلاف المتعدد الوجه والشكل. وما حصل في ملف الكهرباء ليس سوى النقطة التي فاضت بها الكأس العارمة بين عون وكل من بري و"حزب الله"، لكنها لم تصل الى حد الاستقالة التي لوّح بها عون أكثر من مرة. وبدا التكتل في الساعات الاخيرة مدركا ان سلسلة الاستهدافات من جانب حلفائه قد تكون غايتها دفعه الى سحب وزرائه وتقديم استقالتهم. لكن قيادة "التكتل" تؤكد انها صاحبة التوقيت في اتخاذ قرار مماثل، وستتصرف على ايقاعها وليس على ايقاع من يريد دفعها الى اتخاذ قرار استثنائي بحجم الاستقالة.
لكن هذا التبرير لا يقنع خصوم عون ومنتقديه ولا سيما المسيحيين منهم، الذين كانوا ينتظرون منه امس تقديم استقالة وزرائه، او على الاقل التصرف بحزم اكبر مع قضية كهرباء الزهراني، كما حصل في ملف التوتر العالي في المنصورية. وهؤلاء يعتبرون ان من العبث القول ان بري او "حزب الله" يريدان دفع عون الى الاستقالة، لان استقالة الطرف المسيحي تطيح الحكومة، ولا مصلحة لهما حاليا في دفع الامور نحو ذلك، لان المطلوب ابقاء الحكومة بأي ثمن، كما حصل بالنسبة الى تمويل المحكمة.
ويكبر حجم الانتقادات اسبوعا بعد آخر، على وقع استمرار عون في رفع الصوت من دون خطوات تنفيذية، حتى اعتبر البعض انه اصبح شاهد زور في حكومة يفترض انه ساهم في تشكيلها ودافع عن حصته فيها وعرقل قيامها لاشهر. ولا سيما ان ما حصل في الزهراني جاء في اعقاب كلام للامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، دافع فيه عن مطالب عون ووزرائه، مما يعني ان ابرة التخدير لم تستنفد مفعولها.
وكان باسيل حاسما في مؤتمره الصحافي بتوجيهه رسائل مباشرة الى بري و"حزب الله"، لكنه ايضا طاول وزير الدفاع فايز غصن وهو عضو في "التكتل" ووزير الداخلية مروان شربل المحسوب مناصفة بين عون ورئيس الجمهورية. وبهذا المعنى، فان عون اصبح على خلاف مع جميع مكونات الحكومة، من رئيس الوزراء، الذي لم يُبْقِ معه على شعرة معاوية ليكون حامي ظهر التكتل في وجه من يعتبرهم فاسدين، بعدما اتهمه بالتغطية على موظفين فاسدين، وصولا الى كتلة جبهة "النضال الوطني" ناهيك بكتلتي "امل" و"حزب الله"، فضلا عن خلافه السياسي خارج الحكومة مع قوى 14 آذار التي تستفيد يوميا من الضربات التي تطاوله لاستهدافه اكثر.
وبحسب المعلومات المتوافرة فان باسيل كان رفض قبل انفجار قضية الزهراني، التجاوب مع اتصالات رفيعة وردته لزيادة ساعات الكهرباء بغية الحفاظ على المساواة في التقنين بين جميع المناطق. وهو امتنع قصدا عن الكلام العلني خلال يومين، لافساح المجال امام الاتصالات السياسية توصلا الى حل. لكن الاتصالات اسفرت عن عودة العمل في المعمل، ولم توصل بعد الى حل لأساس المشكلة التقنية ومعالجة المشكلة السياسية.
والمؤتمر الذي تمنت مرجعيات حكومية عدم عقده، كان يهدف الى وضع النقاط على الحروف، لكنه لم يبلغ الحد الذي يقنع الخصوم، الذين سارعوا الى استهدافه، وليس معروفا الى اي مدى يمكن ان يقنع الحلفاء بأن ما بين السطور اكبر مما قيل، وخصوصا ان ثمة من مرر رسائل مبطنة مؤداها ان طموحات الوزير شربل نحاس في مشاريع حيوية للضمان الاجتماعي لن تمر بسلام، مما يضع سلة اصلاحات عون في الحكومة مرة جديدة على المحك في كل وزارات الخدمات التي طلبها ابان مناقشات تشكيل الحكومة، وبدأ يدفع ثمنها كما دفع ثمن ورقة التفاهم مسيحيا. لكن المشكلة تكمن في ان عون مضطر الى مسايرة حلفائه، بعدما خسر خط الرجعة، حتى موعد الانتخابات النيابية المقبلة، في الدوائر التي لحلفائه فيها كفة الترجيح. وقد تكون تلك هي الخاصرة التي توجعه ويستفيد حلفاؤه منها لزيادة الضغط عليه. الا اذا قلب الطاولة على محاولات تطويقه، وخصومه يشكّون في اقدامه على ذلك لاسباب باتت اكبر بكثير مما هو معروف. اما حلفاؤه فلا يبدو انهم سيسايرونه في التعيينات ولا في المشاريع النفطية والكهربائية،التي يمكن ان تكون الجبنة التي يريد الجميع تقاسمها.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك