ليس في السياسة شيء اسمه فرصة أخيرة أو قطيعة نهائية. فالرسائل المتبادلة بين دمشق والجامعة العربية لم تنقطع. وكل منهما يقول انه يعطي الآخر فرصة جديدة لاثبات حسن النيات. دمشق تعلن قبول بروتوكول المراقبين في اطار الفهم السوري له، مشترطة اعتبار العقوبات العربية لاغية وباطلة لحظة توقيع البروتوكول. والجامعة تطالبها بإزالة العقبات التي حالت دون تنفيذ خطة العمل العربية في اطار الفهم العربي للأحداث السورية الدامية.
والطرفان يعرفان أن اللعبة أشد تعقيداً من أن تنتهي بحركة واحدة. فلا هي محصورة بينهما وحدهما بعد تكاثر اللاعبين. ولا شيء يوحي أن النظام السوري تخلى عن اقتناعه بأن دولاً في الجامعة تريد تصعيب الأمور واستخدام أسلوب الأوامر غير المقبول للذهاب الى التدويل، أو ان هذه الدول تخلت عن اقتناعها بأن النظام يماطل ويريد كسب الوقت.
لكن المسألة ابعد من ذلك. فالتحدي أمام دمشق والجامعة ليس الذهاب أو عدم الذهاب الى التدويل بل الخروج من التدويل القائم عملياً. اذ الجانب الوحيد من التدويل الذي لا يزال طريقه مقطوعاً بالموقفين الروسي والصيني هو الوصول الى قرار في مجلس الأمن. وبقية الأبواب مفتوحة. في الجمعية العمومية ولجنة حقوق الانسان. في الصراع الاقليمي على النفوذ بين ايران وتركيا. وفي الصراع الدولي بين أميركا والاتحاد الأوروبي من جهة وبين روسيا والصين من جهة أخرى. فالعقوبات الأميركية والأوروبية والتركية على سوريا، بصرف النظر عن العقوبات العربية، هو مرتبة عالية من التدويل عبر سياسة الخنق اقتصادياً وديبلوماسياً. والاتكال السوري على مواقف أصدقائه هو جزء من لعب الأوراق على المستوى الدولي.
وبكلام آخر، فإن الصراع على الموقع الجيوبوليتيكي لسوريا على خارطة المنطقة هو قمة التدويل. وهو، في الخطاب الرسمي لكل أطراف الصراع، يكاد يطغى على البعد الداخلي للأزمة الذي عنوانه الانتقال الديمقراطي للسلطة. والفرصة الوحيدة للخروج من التدويل هي تطبيق الحل العربي بعدما تجاوزت الأحداث الحل السوري الذي يريده النظام من دون أن يقنع المعارضين. فلا مستقبل للحل الأمني - العسكري الذي فشل في وقف التظاهر على مدى تسعة شهور، كما في انهاء عنف المجموعات المسلحة. وهو بات يحرج أصدقاء سوريا ويرونه كما يراه أعداؤها خطراً يقود الى خطر أكبر هو التدخل العسكري الخارجي.
ومن هنا حماسة الروس والصينيين للحل العربي. فالوقت حان لأن يتوقف العنف والقمع ويتقدم الحل السياسي الذي يحافظ على سوريا ويضمن مستقبلها، ويضع حداً لكل السيناريوهات الخطيرة التي تبدأ بالحرب الأهلية. وحان أيضاً لادراك المخاطر في التركيز على لعب الأوراق الخارجية وتجاهل الورقة الداخلية المهمة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك