نزعة الجنون لا تصيب السياسيين فقط. بل هي اكثر فاعلية وأكثر خطورة عند القائمين على مؤسسات رسمية، خدماتية او امنية او خلافه. وهي عدوى منتشرة في لبنان، صارت تصيب كل من تخيل نفسه الآمر الناهي بشؤون الناس. وتصيبه بالعمى الاخلاقي، فيصير يعبث برزق اهل بلده، موحياً لنفسه انه مصدر الرزق، او صاحبه.
لعنة لبنان ليست من السياسيين فقط، ولا من الطائفيين الملونين فقط، بل من جانب قسم كبير من الذين جيء بهم على خلفية انهم تكنوقراط، لا يتدخلون في السياسية، فصار هؤلاء مجانين من الطراز الذي لا تفيد معه علاجات الطوائف المتبادلة تهويلاً أو توازناً او احتراباً.
لعنة لبنان، تتمثل هذه الايام، بمريض اين منه عوارض الاحتضار للدولة ومؤسساتها، انه الوقح، المجنون، الذي يبدو انه مولع بأفلام الكرتون، والمخرج الذي يحول سمكة صغيرة الى حوت يقدر على ابتلاع جميع من حوله.
ما الذي يجعل محمد الحوت يتصور نفسه اقوى من القانون، وكيف يمكن الرجل ذا الوجه الاصفر والنائب الأزرق أن يفعل ما يفعل؟
كيف له أن يمون ليس فقط على ادارة شركة الميدل ايست، بل على مرافق المطار، على اجهزته الامنية، وعلى قواه الامنية من جيش وقوى امن داخلي؟ وكيف له ان يتدخل مع ضباط وعناصر الامن العام وادارة الجمارك؟ وكيف له ان يتدخل في كل تفصيل يخص الموظفين الاداريين وغير الاداريين، في السوق الحرة، وفي الممرات وعمال النظافة والصيانة؟
كيف له ان لا يخشى احداً في الدولة وفي القطاع الخاص؟ وكيف له أن لا يخشى القوى السياسية والنقابية وخلافها؟
ما الذي يجعله يسجل طائرات الميدل ايست لدى الشركات العالمية بالاحرف الاولى من اسمه، او اسم زوجته، او اسم احد أولاده؟
ما الذي يجعله يطلب من الرسام الذي يضع لوحة ترويجية للطائرة أن تكون صورة الطائرة على شكل حوت طائر؟
ما الذي يجعله محتاجاً لمن يفتح له باب السيارة ويقف مستعداً مثل عسكري في قاعدة هيئة الاركان؟
ما الذي يدفعه الى الطلب من جميع الموظفين ان يقفوا متسمرين عندما يمر بالقرب منهم، مثل رجال الامن في اقبية المخابرات وادارات الامن؟
ما الذي يجعله يأتي بمستشارين ومساعدين حفظوا كل ما كتب من قصائد في مدح السلطان، وحفظوا كل ما كتب من قصائد هجاء لخصومه؟
ما الذي يشعره بالحصانة لأن يعلن في مؤتمر صحافي انه سجل سيارة باسم مصرف لبنان كي لا يدفع الضريبة، ولا يلاحقه احد؟
ما الذي يشعره بالحرية بأن يخالف قوانين الشركة فيوظف من يوظف خلافاً للقانون، ويحشو الشركة بحشد من الاقارب والمقربين في مناصب استشارية؟
هل هو ملك الملوك، أم بيده العصا السحرية؟
لا هذه ولا تلك، هو مرتاح لكون حاكم مصرف لبنان، أو القيصر رياض سلامة، القابض على نصف البلاد، يعطيه تفويضاً كاملاً لكي يقوم بما يريده داخل الشركة، وهو مرتاح لأن بين يديه دجاجة تبيض ذهباً فيتولى رشوة من يمكنه رشوته...
عيب بل عار على كل سياسي يقبل رشوة من الحوت بأن يسافر مجاناً على متن طيران الشرق الاوسط، ومن بين هؤلاء من يفعل ذلك، ولهم اسماء!.
عيب بل عار على كل ضابط في اي مؤسسة من مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية، ومن العاملين في الرئاسات والادارات ان يقبل رشوة بأن يأخذ بطاقات سفر مجانية له ولعائلته، ومن بين هؤلاء من يفعل ذلك، ولهم اسماء!
عيب بل عار على كل صحافي واعلامي، وعلى كل محام أو قاض عامل أو مستقيل قبول هذه الرشوة بأن يسافر لقضاء عطلة خاصة في بلد اوروبي على حساب طيران الشرق الاوسط بحجة تسويق وما الى ذلك، ومن بين هؤلاء من يفعل ذلك، ولهم اسماء!
عيب بل عار علي اي تنظيم تتم رشوة مسؤولين فيه فيطلبون من الموظفين المحسوبين عليهم وقف التحرك اعتراضاً على غبن او على مخالفة، ومن بين هؤلاء من يفعل ذلك، ولهم اسماء!
عيب على كل رجل اعمال من اصحاب الحظوة السياسية أن يستفيد من خدمات اضافية اذا قرر استخدام طائرة خاصة، فيقبل هدية الحوت خدمات المضيفين الأرضية والجوية مجاناً، ومن بين هؤلاء من يفعل ذلك، ولهم اسماء!
عيب بل عار على وزراء ونواب يقبلون بأن يشتروا بطاقات سفر خاصة بالدرجة السياحية، وهم على ثقة بأن الحوت سوف يكلف من ينتظرهم لكي يحولها الى الدرجة الاولى من دون نفقات اضافية. ومن بين هؤلاء من يفعل ذلك، ولهم اسماء!
عيب بل عار على رجال دين، ومستشارين، واقتصاديين، وأصحاب النفوذ المنتشرين حول الرؤساء والوزراء والمديرين والقادة الامنيين والعسكريين أن يقبلوا خدمات يوفرها لهم الحوت بأن يمنحهم ما يقدر عليه مجاناً، او أن يطلب فريقاً من رجاله ينتظرونه ليخلّصوا لهم معاملات السفر والشحن وخلافه، ومن بين هؤلاء من يفعل ذلك، ولهم اسماء! لم يعد الامر يتعلق بطيارين يريد ملك الادارة الحديثة تسييرهم كما يقرر، ولا بموظفين يريد إلزامهم العمل كما يريد هو لا كما تنص القوانين، ولم يعد الامر يتعلق بسياسة تجارية تقوم على الاحتكار والاستغلال، ولا بمزاجية لا تهتم لمآسي مواطنين يعيشون القهر في الاغتراب ليدفع اهلهم فوائد الديون التي راكمها من القى بالحوت في بحرنا...
لقد صار محمد الحوت عنوان العجز عن اقناع الناس بأن لهم املاً بقيامة بعد طول انتظار!a
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك