كشفت مصادر عراقية وثيقة الاطلاع على تفاصيل زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن الى العراق لـ"الأخبار" ان "بايدن جاء إلى بغداد حاملاً معه جدول أعمال من تسع نقاط، يتقدمها التعاون العسكري والأمني مع العراق خلال مرحلة ما بعد الانسحاب". واشارت الى أن "اتفاقاً كان قد حصل في وقت سابق بين الجانبين الأميركي والعراقي على أن يبقى بعد الانسحاب 800 مدرب عسكري أميركي بلا حصانة، على أن يقيموا في قواعد خاصة بالجيش العراقي، وعلى أن يجري تطعيمهم بمدربين من الدول الأوروبية وروسيا وأوكرانيا، في خطوة تستهدف عدم احتكار الولايات المتحدة سوق التدريب في العراق"، واوضحت أن "بايدن حمل معه طلباً برفع عدد المدربين الأميركيين إلى 1800 مع إعطائهم الحصانة، يضاف إليهم ثلاثة آلاف جندي لحماية المدربين والبعثات الدبلوماسية، ولكن من دون حصانة".
وافادت المعلومات بأن واشنطن تعتزم إبقاء 17 ألف موظف مدني في العراق للخدمة في السفارة، و18 قنصلية تعتزم واشنطن فتحها في جميع المحافظات العراقية (هناك أصلاً قنصليتان في أربيل والبصرة)، ولا يزال هناك اليوم 13800 جندي أميركي في العراق، وسبع قواعد عسكرية يجب تسليمها للعراقيين قبيل نهاية العام.
وكشفت المصادر السالفة الذكر عن أن "النقطة الثانية على جدول أعمال بايدن أكثر خطورة من الأولى. لقد طالب بأن تسلم الحكومة العراقية الأجواء العراقية إلى الولايات المتحدة بذريعة حمايتها، في ظل غياب سلاح جوّ عراقي قادر على أداء هذه المهمة"، مشيرة إلى أن "باقي النقاط عادية، تأتي في إطار تفعيل المعاهدة الاستراتيجية الموقعة بين البلدين في 2008 والتي تشمل التعاون في المجالات السياسية والدبلوماسية، وفي المحافل الدولية، وفي مجالات التعليم والتبادل الثقافي والخدمات والتكنولوجيا والبيئة والنقل والتجارة والمال والطاقة، وفي مجال القضاء وتطبيق القانون".
ومعروف أن رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي سيتوجه في 12 كانون الأول الجاري إلى واشنطن، في زيارة مقررة سلفاً للقاء الرئيس باراك أوباما، ويفترض أن يحمل خلالها جواباً نهائياً على طلبات بايدن.
وافادت أوساط القيادة العراقية بأن حكومة المالكي تعكف على دراسة طلبي واشنطن بشأن القوات والأجواء، مرجّحة رفضهما، خاصة البند المتعلق بحماية الأجواء، لكونه يمثّل "خطراً على كل من العراق وسوريا وإيران". واضافت أن "واشنطن تشعر بأن العراقيين قد تنكّروا لها بعدما أزاحت نظام صدام حسين عن كاهلهم ودفعت ما دفعت من أموال وأرواح في العراق، وفي النهاية ها هي تخرج من العراق بلا شيء، لا تمديد ولا حصانة"، مشيرة إلى أن الأميركيين "يشعرون بإهانة كبيرة، ويريدون تحقيق بعض المكتسبات لحفظ ماء الوجه، لأنهم يعلمون أن ظهورهم بمظهر المطرودين من العراق سيؤثر على عملهم في أكثر من ملف، وخاصة سوريا وإيران، ويضرّ بحلفائهم في المنطقة". وأكدت الأوساط نفسها أن "الساحة العراقية منقسمة حول المطالب الأميركية. الأكراد يقبلون بأي شيء يبقي للأميركيين نفوذاً في العراق، لأنهم يعلمون أن الحظوة التي تمتعوا بها خلال الاحتلال ستنعكس سلباً بعد انسحابه. أما الكتل السنيّة فهي تضمر قبولاً وتعلن مواقف ضبابية. وحده التحالف الوطني من يرفض رفضاً مطلقاً هذه الطلبات".
وتناولت محادثات بايدن، التي شملت إلى المالكي كلاً من الرئيس جلال الطالباني ورئيس البرلمان أسامة النجيفي في حضور قائد القوات الاميركية في العراق الجنرال لويد اوستن والسفير الاميركي جيمس جيفري ومساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان، الوضع الأمني الداخلي وشؤون المنطقة، وعلى وجه الخصوص الأزمة في سوريا.
وافادت المعلومات بأن "بايدن مارس ضغوطاً على المالكي في محاولة لدفعه إلى تغيير بغداد لموقفها من نظام (الرئيس بشار) الأسد، والذي تراه واشنطن محابياً لدمشق، مشدداً على ضرورة أن يتخذ العراق موقفاً متماشياً مع الإجماع العربي ومنسجماً مع الجامعة العربية ومقرراتها". واضافت أن "المالكي رفض بشدة تغيير الموقف، مؤكداً لبايدن أنه لا يفعل ذلك حبّاً بسوريا ولا بالأسد، بل حباً بالعراق". وأوضح المالكي، بحسب المعلومات نفسها، "نحن متأكدون من أن النظام البديل الذي سيقوم على أنقاض نظام الأسد سيكون سلفياً تكفيرياً، الدافعون باتجاهه هم المسؤولون عن قتل العراقيين في مسلسل التفجيرات الإرهابية التي تجتاح العراق منذ 2003"، مضيفا أن "هذا الملف محسوم في العراق. التحالف الوطني اتخذ قراراً حاسماً بدعم الرئيس الأسد. الكتلة الكردستانية منسجمة مع هذا الموقف. أما الكتل المنبثقة عن الكتلة العراقية، فهناك اختلاف في ما بينها، وإن كانت غالبيتها مع الحراك المناهض لدمشق"، مشيرة إلى أن "سوريا هي رئة العراق، ومنفذه إلى البحر الأبيض المتوسط، وأي عقوبات تُفرض على دمشق، لا شك في أن صداها سيتردد في بغداد".
وكان لافتاً أيضاً تقدم بايدن إلى رئيس الوزراء نوري المالكي بطلب للسماح بنقل الأسير اللبناني لدى قوات الاحتلال الأميركي، المتهم بانتمائه إلى حزب الله علي موسى دقدوق، إلى الولايات المتحدة قبل آخر العام الجاري. وتفيد المعلومات الواردة من بغداد بأن المالكي رفض هذا الطلب، معلناً تمسّكه بتسليم دقدوق إلى السلطات العراقية من أجل محاكمته في العراق وأمام محاكم عراقية.
وقالت مصادر معنية مباشرة بهذا الملف إن حركة الاتصالات قد تكثفت على أكثر من صعيد "للحؤول دون ارتكاب الأميركيين لحماقة كهذه". وتتخوف جهات إقليمية نافذة من "تهور الأميركيين" وإخراج دقدوق من العراق، ما "سيؤدي إلى تغيير في الحسابات لن يكون لمصلحة واشنطن".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك