بعد الضجة الإعلامية الكبيرة التي سوّقت له، وبعد التهديد والوعيد المعتاديْن على ألسنة مسؤولي "تيار المستقبل"، وتلميحهم بالنزول إلى الشارع لإسقاط الحكومة، الأمر الذي دفع الرئيس نجيب ميقاتي إلى التلويح بالاستقالة بذريعة عدم تمويل "المحكمة الخاصة بلبنان" المخالفة للدستور، وبعد حديث "المستقبليين" عن عدم إمكان البقاء مكتوفين حيال ما يجري في من "عنف دموي" في سورية، ومن دون أن تحصل "المفاجأة الكبرى" التي انتظرها البعض، وهي "ظهور الشيخ سعد" في طرابلس بعد طول غياب عن وطنه الثاني لبنان، حتى أنه استكثر على ما تبقى من جمهوره الإطلالة عبر الشاشة، ووسط مشاركة طرابلسية وعلمائية دينية خجولة... مرّ مهرجان "الاستقلال" الذي نظمه "المستقبل" في معرض الشهيد رشيد كرامي في طرابلس الأسبوع الفائت كـ"زوبعة في فنجان".
هذا الخوف "المستقبلي" الطارىء والمفاجىء على "الاستقلال" للمرة الأولى منذ بروز "الحريرية"، كشف زيف ادعاء حرصها على السيادة اللبنانية، من خلال الشعارات والرايات التي رُفعت، والخطب التي أُلقيت في المهرجان المذكور.
فهل ترمز أعلام سورية ما قبل وصول حزب البعث الى الحكم، وأعلام تونس، وأعلام "حزب التحرير" الذي لا يعترف بالكيان اللبناني، إلى استقلال لبنان؟
وهل يسهم تحويل طرابلس إلى خزان وقود للفتنة، ومنصةً للانقاض على سورية؛ خلافاً لاتفاق للطائف، ولمعاهدة الأخوة بين الدولتين اللبنانية والسورية في تعزيز السيادة، أو أنه يعرّضها للخطر، وقد يدفع بعودة سورية أمنياً إلى عاصمة الشمال دفاعاً عن أمنها القومي، الذي يحاول تعكيره "الاستقلاليون الجدد"، بعد مسيرة شاقة قادتها القوى السيادية الحقيقية في سبيل إعادة تصويب العلاقة بين البلدين؟
وهل أضحى كيل الشتائم في حق مكونات أساسية للمجتمع اللبناني سبيلاً لوحدة لبنان؟
لكن على قول المثل "رب ضارة نافعة"، فقد ألقى تجمع "المستقبل" الضوء على الوهن الذي يعانيه وعلى الحالة المتردية التي يتخبط فيها من خلال أمور عدة أبرزها:
أولاً: يشير تعاقب ثلاثة من النواب "المستقبليين" (فؤاد السنيورة ومحمد كبارة وسمير الجسر) على الكلمة، إلى وجود أجنحة عدة في حزبهم، وإلا لماذا لم تحصر خطبهم بخطاب واحد؟ والجامع المشترك الوحيد بينهم هو جشع السلطة، والحقد على سورية.
ثانياً: عدم تجاوب الشارع الطرابلسي مع دعوة "المستقبل" يؤكد اقتناع السواد الأعظم من الطرابلسيين بخيارات ممثليهم في الحكومة، ونهجهم الاعتدالي حيال مختلف القضايا المطروحة، رغم كل محاولات التحريض المذهبية التي يستخدمها الحريريون.
ثالثاً: عدم حضور مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار "المهرجان"، بالإضافة إلى المشاركة الخجولة لعلماء الدين فيه، يؤكدان عدم تقبل طروحات "المستقبل" لدى غالبية علماء أهل السنة والجماعة، وفشل إدارته للملف السُّني.
إن جلّ ما أداه هذا "المهرجان" هو شحن المواطنين مذهبياً، في ضوء الحملة الإعلامية العالمية التي تشن على سورية، والتي تحاول النيل من وحدتها، فالخوف يكمن هنا من اندلاع فتنةً مذهبية في طرابلس وبعض المناطق العكارية، وسط حملات التحريض المذهبي الممنهجة، وعمليات الاستفزاز بالتظاهرات المنددة بنظام دمشق في الشوارع المتاخمة لمنطقة جبل محسن ذات الغالبية العلوية، وفي غياب الآلية "المستقبلية" لضبط الشارع المعبأ مذهبياً، ما يفقد السيطرة عليه، ويؤدي إلى الفلتان الأمني فيه.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك