لو أن الرئيس ميشال سليمان كان لا يزال يتمتع بصلاحيات تعيين الوزراء واختيار رئيس للحكومة من بينهم، هل كانت الازمة الوزارية تطول الى هذا الحد؟ أوَلم يكن يقدم على تأليف حكومة من خارج مجلس النواب وهو ما فعله أكثر من رئيس سابق للجمهورية كلما تعثرت عملية التأليف من داخل المجلس؟
الواقع ان الرئيس ميشال سليمان مقتنع بتأليف حكومة من خارج مجلس النواب ومن تكنوقراط، بعدما تعذَّر على الرئيس المكلف نجيب ميقاتي تأليفها كما تقضي به الظروف الداخلية والخارجية، أي حكومة وفاق واستقرار وازدهار يرتاح اليها الجميع، لكنه لا يزال يصطدم باصرار المتشددين في قوى 8 آذار على تأليف حكومة منها بعدما انتشت بانتقال الاكثرية اليها، لأن مثل هذه الحكومة ستواجه معارضة قاسية وشديدة من قوى 14 آذار، اذ ان مجرد تأليفها من هذه الاكثرية الضئيلة والمصطنعة يعطي انطباعاً عاماً بأنها ستكون حكومة تشف وانتقام وتصفية حسابات واعادة تكوين ادارات عامة للدولة من زبانية 8 آذار استعداداً لانتخابات نيابية سنة 2013 تضمن الفوز فيها لمرشحيها ويكون لها كل الحكم وكل السلطة فتأتي نتائج الانتخابات المقبلة بأكثرية واضحة ومريحة لهذه القوى، وهذا هو السبب الجوهري للاصرار على تأليف حكومة اللون الواحد.
وهكذا اصبح الرئيس ميقاتي امام خيارات صعبة، فلا هو راغب في تأليف حكومة اللون الواحد حتى وان تعددت الالوان فيها لانها تبقى فرعا من اصل، ولا هو قادر على تأليف حكومة وفاقية بسبب الشروط والشروط المضادة، ولا هو يرى أن دقة الاوضاع وخطورتها داخلياً وخارجياً تحتمل تأليف حكومة من خارج مجلس النواب تعطى لها صفة التكنوقراط لانها قد لا تكون على مستوى مواجهة هذه الاوضاع، عدا أن تأليفها فيه كثير من المغامرة والمجازفة اذا ما حجبت الاكثرية النيابية الثقة عنها.
الرئيس ميقاتي يرى ان المغامرة بتأليف حكومة أمر واقع والمثول بها امام مجلس النواب يصح في ظروف سياسية عادية حتى اذا ما حجبت الثقة عنها أمكن تكليف رئيس آخر تاليفها، فقبل دستور الطائف كانت مسؤولية تأليف الحكومة تقع على عاتق رئيس الجمهورية، لكن هذه المسؤولية أصبحت تقع بعد دستور الطائف على رئيس الجمهورية وئيس الوزراء المكلف لان هذا الدستور نصَّ على ان يتم التأليف بالاتفاق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، فلا الاول يستطيع وحده ان يفرض رأيه على الآخر ولا الرئيس المكلف يستطيع ان يفرض رأيه على رئيس الجمهورية، وان كلمة "اتفاق" بينهما وردت في اكثر من مادة في دستور الطائف تحقيقاً للمشاركة الحقيقية في اتخاذ المواقف والقرارات. لذا فان كلا منهما يعمل بالاتفاق مع الآخر والا حصل خلاف اشد واخطر من الازمة الوزارية.
واذا كان الرئيس سليمان بات مقتنعاً بأن لا خروج من الازمة الوزارية الا بتأليف حكومة من خارج المجلس وليتحمل النواب عندئذ مسؤولية اتخاذ موقف منها أمام الله والوطن، فان الرئيس ميقاتي لم يصل بعد الى هذا الاقتناع، ولا يزال يأمل في التوصل الى تأليف حكومة ترضي الجميع ولا تشكل استفزازاً لأحد، وهو يخشى تألياً اذا غامر بمواجهة مجلس النواب بحكومة من خارجه أن تتعرض لحجب الثقة فيصير عندئذ تكليف سواه تأليف حكومة وتكون الظروف الداخلية والخارجية باتت تسمح بذلك وتزول معها عراقيل التأليف الحالية.
والسؤال الذي يطرح في الاوساط السياسية والشعبية هو: ماذا ينتظر الرئيس ميقاتي كي يصبح في امكانه تأليف الحكومة التي يرغب فيها اذا ظلت مواقف 8 و14 آذار على ما هي، وظل هو يخشى عواقب مواجهة مجلس النواب بحكومة تكنوقراط أو حكومة أمر واقع؟
ثمة من يقول ان الرئيس ميقاتي ينتظر وضوح صورة التغيرات في المنطقة كي يبني على الشيء مقتضاه، فإما تساعد هذه التغيرات على تذليل الصعوبات التي لا تزال تعترض التأليف، واما يصير في الامكان تأليف حكومة من خارج مجلس النواب بموافقة القوى السياسية الاساسية في البلاد، لان قوى 8 آذار لا تزال حتى الآن تعارض ذلك.
وثمة من يقول إن قوى 8 آذار قد تقدم بفعل التغييرات في المنطقة ولا سيما في سوريا على خطوة شبيهة بخطوة 7 أيار فتجعل من زعزعة الامن والاستقرار وسيلة ضاغطة تضطر قوى 14 آذار الى التسليم بالواقع كما سلمت من قبل بواقع "اتفاق الدوحة"، هذا اذا لم يفرض الوضع المتردي عقد مؤتمر دوحة ثان يعيد جمع القوتين في حكومة واحدة ويكون الوقت قد ساعد على تجاوز عقدة المحكمة الخاصة بلبنان وعقدة سلاح "حزب الله"، او القبول بحكومة تكنوقراط.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك