إتسع فتق العمالة لإسرائيل في صفوف "الحزب القائد" على الرتق الذي أدمن أمينه العام اللجوء إليه. وكل أفعال التفضيل التي أغدقها على ربعه، حتى جعلهم أشرف الناس وأكرمهم وأنقاهم واطهرهم، لم تنأ ببعضهم عن أدنى أعمال الخسة وهي خيانة الوطن. ولم ينفع الرتق بادعاء براءة المجموعة القيادية التي كان اتهمها الأمين العام ثم تقهقرعن ادعائه، في نهي آخرين من المحيط القيادي عن الإيغال في التآمر مع العدو الاسرائيلي، حتى بلغت الخيانة البنى التحتية للحزب، في شخص المسؤول عنها،الذي هربته وحدة كوماندوس اسرائيلية عبر بلدة رميش الجنوبية، ما يؤشر إلى أهمية دوره ومكانته للجهتين.
لم يخل تاريخ الصراع العربي - الاسرائيلي من العملاء. والذاكرة العامة لا تنسى شولا كوهين التي تغلغلت في المجتمع السياسي اللبناني مطلع الخمسينات وتحكمت برجالات منه، ولا إيلي كوهين (كمال أمين تابت) الذي بلغ أعلى المراتب في النظام السوري في الستينات.
يستفظع الناس، عادة، الخيانة، لكنها لا تهز صورة المؤسسات التي جرت فيها، إلا بحدود، سوى في حالة الحزب. ليس لصعوبة خرق صفوفه،فهذا دحضته الوقائع، ولم تنفع كل اصابع أمينه العام في نفيه، بل لأن تأليه عناصره وجمهوره وبقعته الجغرافية، على دأب الأمين نفسه ومعاونيه، جعلت توقعات اللبنانيين من أفعاله تسقط في الفجيعة: فالوعاءات التي استنبطها لتطويق ربعه وهي ثقافية ومالية واجتماعية، واستند إليها لتكوين هوية مضمرة لهم متميزة عن الهوية الوطنية العامة (على ميوعة خطوطها) لم تجدِ في تحصينهم عن السقطات.
محق رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في قوله "إن انتشار السلاح يدل على عدم خشية العقاب"، لكن فاته أن الخطاب المؤله لحملة هذا السلاح يشعرهم بحصانة معنوية، لا سيما أن العميل منهم بريء ولو ثبتت إدانته والمتهم بريء حتما ولو لم تجرِ محاكمته.
الشعور بفائض القوة حالة جمعية بفضل الخطاب الاستكباري عبر الشاشات العملاقة، وايضا حالة فردية تظهر في وجه الحزب بالخيانات المتسلسلة، وفي اشتباكات مع حليفه "أمل"، وفي وجه المجتمع ككل من لاسا إلى التسيب الأمني في مناطق النفوذ المعروفة (نحو40 إشكالا في آب الفائت)، إلى حد استسهال القتل الجماعي (جريمة رأس النبع).
مع ذلك، لم تنسل فرصة الإنقاذ من يد الحزب بعد وهي العودة إلى الدولة، خصوصا أن وثائق "ويكيليكس" وأقوال حلفائه، قبل الخصوم، تذكره، ويجب أن تذكره، بأن الدولة هي الوعاء الأوحد القادر على جمع كل اللبنانيين وحماية مصالحهم، وأنه ليس موضع إجماع وطني كما يخيل لقادته، لا جسما ولا دورا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك