ليس خارج التوقعات أن تتكرر الوقائع التي سبقت انتصار (ثورة 25 يناير) في مصر. فما حاوله النظام قبل أن يسقط رأسه هو استخدام كل الوسائل لتفشيل الثورة عبر (ثورة مضادة). من قيام الشرطة بإطلاق الرصاص على المتظاهرين الى انسحابها الكامل وترك البلد بلا أمن. من دفع (البلطجية) للإعتداء على المعتصمين الى تنظيم تظاهرات مضادة. لكن (الثورة المضادة) فشلت، وبدأ تساقط رموز النظام وحجز الأموال التي سرقوها ومنعهم من السفر ومحاكمتهم.
وها هي (الثورة المضادة) تتحرك من جديد عبر بقايا الجهاز الرهيب المسمى (أمن الدولة). فالوحدة الوطنية التي أعادت الثورة الشعبية الروح اليها في ميدان التحرير هي المستهدفة الآن. وما فعله بعض ضباط الجهاز هو دفع (الجماعة السلفية) التي أنشأوها قبل عامين الى تهديم كنيسة للأقباط في محافظة حلوان وتعليق يافطة تقول: هنا (مسجد الرحمن). وحين اعتصم عدد من الأقباط أمام مبنى التلفزيون في القاهرة للاحتجاج والمطالبة بإعادة بناء الكنيسة، فإن الرد كان الاعتداء عليهم في اشتباك طائفي أوقع 13 قتيلاً و40 جريحاً.
غير أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرر اعادة بناء الكنيسة، كما أعلن شباب الثورة يوماً للوحدة الوطنية والمشاركة في بناء الكنيسة. فلا شيء يشوّه الثورة أكثر من اللعب على العصبيات الطائفية. ولا أحد يجهل أن اللا أمن هو صناعة رسمية تقوم بها أجهزة الأمن في الأنظمة السلطوية.
ذلك أن الأنظمة السلطوية الأمنية التي أقيمت بعد الثورات أو الانقلابات العسكرية وتحكمت بالشعوب في العالم العربي هي عملياً (الثورة المضادة). وليس لأجهزتها سوى مهمة وحيدة هي حماية الحاكم الفرد المطلق الذي ينظم سرقة الثروة الوطنية ويلغي المجتمع ومؤسسات الدولة، ويأمر بالقتل أو السجن أو النفي لمن يفكر في الاعتراض، مجرد تفكير، وليس فقط لمن يتحرك كمعارض يطالب بالاصلاح قبل حديث الثورة.
وما يحدث في ليبيا واليمن وسواهما من بلدان المنطقة هو هجوم (الثورة المضادة) على الثورة الشعبية. فالعقيد القذافي يقتل شعبه بالطيران والدبابات والمدفعية للحفاظ على كذبة اسمها (سلطة الشعب) التي هي سلطة القذافي وأولاده والمستمرة منذ 42 عاماً. والرئيس علي عبدالله صالح يدعو بلسانه الى الحوار ويفلت أيدي قوات الأمن لإطلاق الرصاص على المعتصمين أمام جامعة صنعاء، ويواجه أحزاب المعارضة بالالتفاف على مطالبها، والحراك الجنوبي بالرصاص، والحوثيين بالحرب، للحفاظ على سلطته المستمرة منذ 33 عاماً.
ومن الصعب بقاء أي نظام أمني في المنطقة بعد سقوطه المدوي في مصر.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك