يقول رئيس المجلس العام الماروني وديع الخازن: "الفارق كبير بين إلغاء الطائفية السياسية وقيام دولة مدنية. فأن تلغي التوازنات السياسية والإدارية دفعة واحدة بعدما إختلّ الميزان العددي بين الطوائف شيء وقيام دولة مدنية قائمة أساسًا على قانون للأحوال الشخصية يتيح الزواج المدني شيء آخر".
فيوافقه سجعان قزي نائب رئيس حزب الكتائب الراي قائلا: "نحن ضدّ إلغاء الطائفية السياسية نحن مع العلمنة. نحن مع إلغاء النظام الطائفي، وأن يصار إلى الفصل بين الدين والدولة. وبالتالي الطائفية من أساسها. أما أن نلغي الطائفية السياسية فكأننا نقر بسيطرة طائفة على كل الطوائف وعوض أن نعيش في ظل نظام متعدد الطوائف نصبح في ظل نظام الطائفة الأحادية".
هنا يستطرد القيادي في التيار الوطني الحر طوني نصرالله ليقول: "إلغاء الطائفية السياسية من دون تحويل الدولة لدولة علمانية مشروع فتنة. نحن مع أن يتحول لبنان لدولة مدنية حيث يصبح لكل مواطن حقوقه وواجباته بغض النظر عن طائفته. هنا نسعى لتحرير الانسان من ارتباطه بالمصلحة مع الله لارتباط حقيقي وحر. وهذا لا يتم الا من خلال قوانين مدنية حديثة مع الحفاظ بالطبع على الطوائف".
اذا المسيحيون في لبنان متوافقون على أن مصلحتهم بقيام دولة مدنية وليس بالغاء النظام الطائفي الذي يؤيده قسم كبير من المسلمين وبالتحديد الشيعة وحركة أمل عبر رئيسها نبيه بري. هم يرفضون جملة وتفصيلا كل ما له علاقة بالغاء النظام الطائفي ويعتبرون الدعوة اليه بمثابة اعلان "الفتنة".
الخلاف المسيحي الاسلامي على النظرة للدولة الحديثة يعود الى عقود بعيدة من الزمن. ولعل أبرز محطات هذا الخلاف المتجذر، احدى الجلسات الأولى للحكومة الاستقلالية برئاسة رياض الصلح التي حضرها في حينها رئيس الجمهورية بشارة الخوري. عندها طرح الصلح فكرة الغاء الطائفية السياسية فرد عليه الشيخ بشارة الخوري برفع شعار علمانية الدولة. ومنذ ذلك الوقت عرف اللبنانيون أنّهم وان كانوا متفقين على الاستقلال والعروبة والديمقراطية الا أنّهم مختلفون في تصور طبيعة الدولة ونوع التوازنات التي ستقوم بين الطوائف والتيارات السياسية المتعددة.
فمنذ تلك الايام أيام الاستقلال، ثبت أن المسيحي اللبناني غير متحمس وبالتأكيد لالغاء الطائفية من الدستور وان المسلم غير مستعد للقبول بالعلمانية بأي شكل من الأشكال. وبغض النظر عما تقوله الألسنة وتكتبه الأقلام، واضح أن المعادلة اللبنانية لا يمكن أن تسير الى الأمام سواء بالتخلي عن الطائفية السياسية أو اقرار العلمنة وكلا الطرحين مستحيل الأخذ به دون اجماع وطني عليه ما دام اللبنانيون هم هم، كما يعرفون أنفسهم ويعرفهم الغير.
استنتاج قد يحبط بعض الشباب الطامحين لاسقاط النظام اللبناني برمته والذين يخرجون في مسيرات كل "ويكآند" ليهتفوا ضد النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي ورموزه. تسألهم هل تدعون بتحرككم لالغاء الطائفية السياسية أو لقيام دولة مدنية فيردون: "هناك أصوات تركب موجتنا لتدعو لالغاء الطائفية السياسية. وهذا فخ كبير يحاول البعض دفعنا اليه. نحن نعي تماما أن الغاء النظام الطائفي يعني حكم أكثري غير متوازن. تحركنا لا يهدف لالغاء الطائفية السياسية انما لاسقاط النظام وبكل ركائزه المهترئة تربويا اقتصاديا وسياسيا".
ويضيف جنيد سري الدين الناشط في هذه التحركات: "نحن ندعو لقيام دولة علمانية مدنية ديمقراطية لنعيش خارج القيد الطائفي وبالتالي آخر ما نسعى اليه استهداف طائفة محددة علما أن هناك عددا من الطوائف والجماعات السياسية التي تحاول أن تتبنى تحركنا لأهدافها الخاصة ونحن نحرص على التأكيد أننا مستقلين عن أية طائفة أو أي حزب أو تجمع سياسي".
اشكالية العدد
هو العدد، الهاجس الاكبر لدى المسيحيين الذين باتوا يقيّمون سياستهم المستقبلية على اساسه. يرفضون الغاء الطائفية السياسية لأنهّم حينها يصبحون رقما صغيرا في معادلة الأرقام الكبيرة. الحل لهذه المعضلة، يطرحه الوزير الخازن داعيا لإنشاء مجلس شيوخ يشكّل الضمانة الحقيقية لإبقاء لبنان محافظًا على الصورة المتألقّة في العيش الواحد. ويقول: "ان طرح إلغاء الطائفية السياسية في الفترة الراهنة، ليس بديلاً عن الإستخدام الطائفي الذي بات يشكّل خطرًا في تشعّباته المذهبية لإرتباطها بجوانب إقليمية حادة. وإذا كان إلغاء الطائفية السياسية يعني إلغاء الطائفية الوظيفية، فقد ألغاها سلفًا من دون دعوة، بعد إنكفاء المسيحيين عنها لإعتبارات إقتضتها ظروف الهجر، وتراجع النفوذ في مؤسسات الدولة. فحتى لا يكون إلغاء الطائفية السياسية وجهًا مقنّعًا للطائفية المستترة بعدما إستشرت في صفوف المواطنين، لاسيما ما بين سنّة وشيعة، لا بدّ من إعتماد خطوات مرحلية تبدأ من إقرار الزواج المدني الذي بإمكانه أن يذيب فكرة الطائفية من النفوس وصولاً إلى مجمّع مدني يعبر عبر برامج إجتماعية ووطنية تتجاوز الإعتبارات الطائفية".
ويقدم سجعان قزي قراءة مشابهة لاشكالية العدد، فيرى بالغاء الطائفية السياسية "تثبيتا للنظام الطائفي مع اضافة جديدة عليه وهو سيطرة طائفة واحدة على سائر الطوائف". ويضيف: "بوضعنا الحالي يعني ذلك أن ننتقل الى الشيعية السياسية بعد أن مر لبنان بالمارونية والسنية السياسية في وقت سابق. فان عنوا بالغاء الطائفية السياسية الغاء حصص الطوائف في وظائف الدولة في ظل عدم وجود نظام ديمقراطي حقيقي فهم يعنون كذلك اخضاعنا لنظام قوى عسكرية بحكم وجود السلاح مع فريق مذهبي معروف".
وهنا يعود القيادي العوني طوني نصرالله ليذكّر أن "التيار الوطني الحر كان أول من أعلن تمسكه بالدولة المدنية" لافتا الى ان "الصراع للوصول اليها مفتوح ومستمر" كاشفا عن خطوات قريبة لتفعيل ملف الزواج المدني. ويقول: "النجاح بالوصول الى دولة مدنية يعني أننا كمسيحيين أول الرابحين أما بالغاء الطائفية عندها نكون كلنا خاسرين".
السياسيون ضد التحرك الشبابي لاسقاط النظام
الاجماع المسيحي على رفض إلغاء الطائفية السياسية يترافق مع اجماع سياسي على عدم جدوى التحركات الشبابية الحاصلة اليوم لاسقاط النظام. اذ يرى الوزير الخازن بتوقيت هذا الطرح "توقيتاً في غير محلّه وزمانه، لاسيما في هذه الأجواء العابقة والمشحونة طائفيًا ومذهبيًا، لاسيما في الحرب الدائرة بواسطة "الإنترنت" أين منها حرب داحس والغبراء" داعيا لطرح هذا الشعار من منطلق علماني تفاديا لاستغلاله سياسيا".
أما نائب رئيس حزب الكتائب فيؤكد أن "التظاهرات التي تتنقل من مكان إلى آخر خرقت وسيّست". ويقول: "ما عدا فئة الطيبين والمخلصين هناك، يحرك غالبية الحشود المتظاهرة ثلاثة أطراف: أحزاب وحركات طائفية وأصولية، الحزب الشيوعي وتنظيمات يسارية، وبعض أجهزة الدولة. والبعض يبحثون عن دور البطل وهم من الباطل. إذن هناك "مجموعة مولوتوف" تقف وراء هذا. وإذا كان هناك من يجيد اللعب بالنار فنحن نجيد اللعب بالبارود".
ويتساءل قزي: "لماذا لم يعلق المتظاهرون مؤخرا صورة السيد حسن نصرالله؟؟ لأنه رجل دين؟؟؟ فليستقل إذن من السياسة ومن الأمانة العامة لحزب الله ويوقف التعاطي بالسياسة. والرئيس الجميل أيضاً هو رئيس جمهورية سابقة. على كل حال إذا من صور يجب أن ترفع ويُطالب بإسقاط أصحابها فليس صور السياسيين الذين يتعاطون السياسة، وهذه "شغلتهم"، بل صور رجال الدين الذين يتعاطون السياسة، ومنهم من يمارسونها بالسلاح".
وفيما يؤكد انطوان نصرالله دعم التيار الوطني الحر للمطالب المعيشية التي يرفعها المتظاهرون، يلفت الى أن "التحرك مخروق، فالبعض يطالب بدولة مدنية في حين يطالب البعض الآخر بالغاء الطائفية" ويضيف: "حبذا لو يوحدون خطابهم ليصلوا الى بر الأمان".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك