كتبت إيسامار لطيف في موقع mtv:
بلُغة القتل والتعذيب والاغتصاب والكراهية يتحدّث البعض عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكأنّهم لم يمرّوا من مدارس لغوية ولا مجتمعات بشرية قط. وإذا تساءلتم عن السبب، فغالباً ما يندرج تحت خانة اختلاف الرأي.
نعم يا سادة، فما بين رأيي ورأيك فرق عظيم، وإذا خالفتني إيّاه لا أفكّر مرتين قبل اتخاذ قرار قتلك إلكترونياً أو تشويه سمعتك الرقمية، وأحياناً تتخذ الأمور بُعداً أكثر خطورة. فما بال المستخدمين ينكشون قبور الماضي وأحقاده اليوم ويبحثون عما يُفرّقنا ويتجاهلون الثقافات والحضارات التي تجمعنا؟ فهل بات خيار التقسيم ما بين مُسلم ومسيحي هو الحل... حتّى إلكترونياً؟
حتّى فلسطين لم تسلم من أحقاد هؤلاء، إذْ ثمة مَن يقتسم أراضيها وجوامعها وكنائسها تحت عنوان "هذه الأرض مُسلمة"، ليُقابله عنوان آخر: "هذه أرض المسيح وسنستعيدها!". وهكذا بدأت حرب التعليقات الإلكترونية منذ عملية "طوفان الأقصى" حتّى اليوم، قبل حتّى أن تتحرّر البلاد. ولأن شرّ البليّة ما يُضحك، هناك مَن كتب في أحد تعليقاته أنّه "لن يسمح للكفار (أيّ أبناء الطوائف المسيحية)، بأن يخطو خطوة واحدة على شاطئ بحر حيفا أو عكا أو يافا". وطبعاً هذا التصريح الخطير لا بد بأن يُقابل بردّ مسيحي صارم حفاظاً على ماء وجه الديانة المسيحية التي عيّن البعض نفسه مدافعاً عنها باسم السيّد المسيح، وكان الردّ على الشكل الآتي: "عندما نراكم هناك سأدفنك بأرضك أيّها الداعشي المتطرّف".
لهؤلاء نقول إنّكم لا تمثلون الإسلام ولا المسيحية على حدّ سواء. فالديانات السماوية وُجِدَت لتسهيل تعاملنا ولتُقرّبنا من الله المحبّ، المتسامح والكريم، لا لتصوّره بهيئة "السفّاح" المترقب لفريسته، ولا لتُنتج جيلاً بغالبيته يُفكّر بهذا الشكل المقيت ظناً منه بأنّه يقوم بعمل جيّد يستحقّ عليه "اللايكات"!
وبعيداً عن الأحلام الوردية حول شرب القهوة بأحياء غزة المدمرة أساساً الآن، أو قدح كحول في حيفا، هل فكرتم يوماً بأن ما يحصل حالياً من حرب نفسيّة أخطر من تلك التي تتخلّلها القذائف والمتفجّرات على مواقع التواصل الاجتماعيّ ليست جديدة؟
في الواقع، لم تسلم غالبية البلاد العربية من خطاب الكراهية هذا، ونهج التفريق منذ بداية عام 2005 تقريباً وفق الخبراء. ولعلّ اليمن، وسوريا والعراق والسودان خير دليل على ذلك، نتيجة المجازر والنزاعات الدموية التي دارت فيها خلال فترة داعش أو حكم الإخوان المسلمين أو حتّى بعد فترة الربيع العربي التي لم تحمل معها الربيع وتتفتح براعم الشعوب كما كانت تأمل.
في حديث لموقع mtv، استهل خبير التواصل الاجتماعي والأستاذ الجامعي حسن يونس كلامه بعبارة للفيلسوف الإيطالي أمبرتو إيكو، يقول فيها إن "أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، مِمَن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، من دون أن يتسبّبوا بأي ضرر للمجتمع، ومع ذلك كان يتم إسكاتهم فوراً. أمّا الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل مَن يحمل جائزة نوبل... إنّه غزو البلهاء".
وبناءً على ذلك، يعتبر يونس أن "كلّ ما يحصل مِن تحريض ومحاولات تجييش ونشر لخطاب الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، ليس إلّا مرآة لنظرة البعض إلى كلّ ما يحصل حولنا، وبالتالي هو بمثابة تعصب طائفي أو عقائدي يحمله البعض في الحقيقة، لأن العالم الافتراضي ما هو إلّا تجسيد للعالم الحقيقي".
"ثمة مستخدمين غير مهيئين أساساً للتعبير عن رأيهم والاستفادة من هذه المساحة الإيجابية من الحرّية"، يقول يونس الذي شدّد على أن "خطاب الكراهية الذي يُستخدم اليوم لا يعكس سوى وجهة نظر وأفكار صاحبه، فيما الخطورة الكبرى تكمن في تناقل هذه المادة التحريضية من قبل مؤثرين وصحافيين وتداولها على نطاق واسع، بحيث أنّه من الصعب إزالة أو تغيير كلّ فكرة تُنشر إلكترونياً، وبالتالي بعدها لن يُفيد الندم إذا ما أدرك المستخدم مهما كان انتماؤه ومستوى تعليمه حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه عند مشاركة أيّ شيء مهما ظنّ أنّه تافهاً مع عالمه الافتراضي الخاصّ".
وعن سؤاله حول كيفية انتشار خطاب الكراهية بسرعة قياسية، يُجيب الخبير بأن "هذا النوع من المحتوى يُعتبر جذّاباً ويستحوذ على اهتمام الكثيرين، لذلك غالباً ما نراه يُتداول وكأنّه وسام شرف، لأن صاحبه أو مَن يتناقله، لا يُدرك أبعاده ومخاطره، ويكتفي بقراءته بشكل سطحي بينما هو أعمق بكثير ويُنذر بالأخطر".
اليوم، تستدعي منا الإنسانية، ولا شيء سواها، التصرّف بعقلانية ووعي، فهل مِن مُجيب؟
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك