السياسة السورية تكرر خدعتها الأصلية. لا تقول ما تضمره، وما ينبغي للناس أن يعرفوه. تصم آذان العالم بما تريده، وفي ذلك تعلن أمرين: فضيحة وتخلّف.
لا يريد النظام السوري الإقرار بأن الحل الأمني لم يعد يجد نفعاً منذ انهيار جدار برلين وسقوط المنظومة الشيوعية. فهذه الأساليب لم تنفع في غابر الأيام ولن تنفع في لاحقها.
من يتابع وقائع الأحداث في بلد "السيد الرئيس" يقلق من اللغة الخشبية. فهناك من أطل عبر احدى المحطات الفضائية العربية لينفي وجود لاجئين في تركيا، معتبراً انهم سياح يزورون أقاربهم في بلاد أتاتورك. كما أنه رفض الحديث عن وجود مخيمات للاجئين، وكأن ما تنقله شاشات التلفزة العربية والدولية خديعة.
قد لا يكون الأمر غريباً بالنسبة للكثيرين، ذلك انه عندما تكون الحياة السياسية مؤممة كما هو الحال في سوريا، فان الخطاب الذي يسود لن يكون إلا خشبياً، وإلا نتاجاً لتلاوة "الآب والابن ورامي مخلوف"، في معبد السلطة العائلية المكرسة منذ أكثر من أربعة عقود.
فالحيرة التي تراود المتابع تكمن في السلوك السياسي السوري العام، الذي يشبه تماماً الدراما التي ينتجها ويمولها. فما بين مسلسلي "إخوة التراب" و "أهل الراية" حقبة أو ممارسة سياسية جلية الوضوح، لجهة مرامي السياسة السورية. حتى ليصح القول: ما قبل وما بعد التنازل عن لواء الاسكندرون.
المسلسل الأول جهد لإظهار مساوئ السلطنة العثمانية، ومحاولتها السيطرة على الواقع العربي عبر الدين، فيما الثاني عمل على إظهار "المستعمر" بوصفه رحيماً.
هكذا كانت تتغير "الدراما السورية" وفقاً لسياسة آل الأسد وحاجتهم إلى استخدام محيطهم "الجيوسياسي" كمنصة او صندوقة بريد على غرار ما يحصل في ما يتعلق بملفات فلسطين ولبنان والعراق، وأخيراً بلاد الأناضول.
على هذا كانت "الدراما" السورية تتحرك على إيقاع التقارب بين دمشق وبين أنقرة. العاصمة السورية لا تترك شيئاً إلا وتوظفه في صالح استمرار النظام وبقائه وتجديد بوليصة تأمينه.
المفارقة أن الساسة السوريين صاروا كأقرانهم اللبنانيين. فهؤلاء باتوا يعبدون الطرقات إلى أنقرة درءاً للخطر عن نظام الأسد، بينما كان اللبنانيون يزحفون إلى دمشق لحفظ مقاعدهم في مجلسي الوزراء والنواب والإدارات العامة.
على هذا يحق القول: "وعلى الباغية تدور الدوائر". فالإذلال الذي تعرض له ساسة لبنان، انقلب على ساسة سوريا. وهذا ما بدا واضحاً في زيارة الموفد الرئاسي السوري اللواء حسن تركماني، الذي طلب ان "تعيد تركيا فوراً النازحين السوريين الموجودين حالياً في مخيمات في محافظة هاتاي".
وكان من المقرر ان يلتقي تركماني وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو، غير أن الأخير توجه إلى اقليم هاتاي لتفقد النازحين، وقال من هناك رداً على سؤال بشأن ما إذا كانت تركيا ستسمح بدخول المزيد من اللاجئين السوريين في حال تجاوز عددهم العشرة آلاف، انه "من غير المعقول ان نغلق أبوابنا أمام اخواننا السوريين".
والحال هذه، فإن "الدراما السورية" أمام مرحلة بالغة الأهمية. ولم يعد بإمكانها تسجيل مفارقات: لا سينمائية ولا سياسية غير منطبقة على مجريات الواقع.
الأرجح ان النظام السوري معني جداً باستيعاب درس كلود شابرول الممثل الفرنسي الذي تحول إلى فيلسوف، وقال ذات مرة "الحماقة أفضل من الذكاء وأكثر عمقاً... فالذكاء محدود والحماقة ليس لها حدود".
من كانت حاله هكذا عليه الإدراك بأن الهزيمة في الثقافة كلفتها أعلى من خسارة فلسطين .. حتى "تجارياً".
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك