أحد التحديات الأساسية التي تواجهها المحاكم الجنائية الدولية هي افتقارها للقدرة على فرض العقوبات وتقديم معلومات مستقلة. بالتالي، لا بد من الإشارة في ما يتعلق بالتحقيق الذي يجريه مكتب المدعي العام من جهة وبتنفيذ القرارات الصادرة عن السلطات القضائية لهذه المحاكم من جهة أخرى، إلى أن تعاون الدول أمر مهم بل أساسي لإتمام المهمة التي تضطلع بها المحاكم.
في الإطار عينه وفي ما يتعلق بالمحاكم الجنائية الدولية التي أنشأها مجلس الأمن (المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا)، اتفقت الدول المعنية والدول الثالثة، وفقاً للقرارات الملزمة ذات الصلة، على التعاون مع هذه الهيئات. أما في حالات المحاكم الجنائية الدولية الأخرى، كالمحكمتين الخاصتين بلبنان وبسيراليون على سبيل المثال، فالوضع أكثر تعقيداً في ما يتعلق بالوثائق القانونية الأساسية كالنظام الأساسي وقواعد الإجراءات والإثبات. فهل الدول الثالثة ملزمة بالتعاون تعاوناً كاملاً مع هذه الفئة من المحاكم، أو ثمة ضرورة إلى صكوك قانونية ملزمة أخرى لإرغامها على الإلتزام بهذا المسار؟
في سياق دراستنا، سوف نركّز حصراً على حالة المحكمة الخاصة بلبنان وندرس عن كثب مسألة التعاون مع الدول الثالثة، مع الرجوع إلى مرحلة التحقيق الدولي بين العامين 2005 و2009 (الجزء الأول) قبل أن ننظر في الوضع القانوني لهذا التعاون بموجب النظام الأساسي وقواعد الإجراءات والإثبات للمحكمة الخاصة بلبنان (الجزء الثاني).
أولاً: لجنة التحقيق الدولية، بوابة إلى المحكمة الخاصة بلبنان: التعاون المُلزِم للدول الثالثة
يتضح من القرارين 1636 و 1644 لمجلس الأمن الدولي أن الدول الثالثة ملزَمَة بالتعاون مع لجنة التحقيق الدولية.
في الواقع، بالاضافة الى التذكير الوارد في القرار 1636 بضرورة التزام الدول بالتعاون مع اللجنة وفقاً للقرارين 1373 و1566 المتعلقين بمكافحة الإرهاب، يدعو القرار 1644 "جميع الدول بمدّ السلطات اللبنانية واللجنة بما قد تحتاجانه وتطلبانه من مساعدة في التحقيق، وخاصةً تزويدهما بأي معلومات ذات صلة قد تكون بحوزتها في ما يتصل بهذا الهجوم الإرهابي (إغتيال رفيق الحريري)".
علاوةً على ذلك، عكف رؤساء لجنة التحقيق في التقارير الدورية التي كانوا يرفعونها إلى مجلس الأمن على تخصيص قسم يعالج مدى احترام الدول الثالثة لالتزاماتها في مجال التعاون مع اللجنة .
فما هي الدروس التي يمكن أن نخلص إليها استناداً إلى هذه الإعتبارات؟
- تجدر الإشارة أولاً إلى أنه تم إنشاء لجنة التحقيق الدولية من قبل مجلس الأمن الدولي بموجب القرار 1595 ، من دون أي ذكر أو إشارة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. أما في منطوق القرار الذي أنشأ مجلس الأمن بموجبه لجنة التحقيق، فترد بعض العبارات والمصطلحات التي تدعو لبنان وبعض الدول الأخرى للإلتزام بضرورة التعاون لتقديم المساعدة المطلوبة.
فنقرأ على سبيل المثال في الفقرة الثالثة أن مجلس الأمن "يقرر، ضماناً لفعالية اللجنة في القيام بواجباتها، أنه ينبغي للجنة أن تلقى تعاوناً تاماً من جانب السلطات اللبنانية (...)".
وفي الفقرة 7 من القرار ذاته (القرار 1595)، يطلب مجلس الأمن "إلى جميع الدول وجميع الأطراف أن تتعاون تعاوناً تاماً مع اللجنة وعلى وجه الخصوص أن تزودها بأي معلومات ذات صلة قد تكون في حوزتها تتعلق بالعمل الارهابي المذكور أعلاه".
وبالرغم من أن كلمة "يقرر" أقوى من فعل "يطلب"، إلا أن التوضيح اللاحق الذي يطلب من الدول الثالثة التعاون تعاوناً تاماً والذي يفصّل أوجه التعاون، يُلزم الدول بتقديم دعمها المطلق. والقرارات اللاحقة، لاسيما منها القراران 1636 و1644 تستخدم على كل حال مصطلحات أكثر وضوحا لحثّ الدول الثالثة على التعاون الملزم مع اللجنة.
- ثانياً، لا بدّ من الإشارة إلى أن لجنة التحقيق الدولية كانت تتمتع بحرية التحرك على الأراضي اللبنانية وفي الدول الثالثة من دون الحاجة إلى إذن مسبق. وكانت حرية التنقل هذه تُعتبَر جزءاً من مهمة اللجنة في مجال مكافحة الإرهاب، على النحو الوارد في قرارات مجلس الأمن 1373، 1566، 1595، 1636 و1644. فلا يجوز للدول الثالثة أن تمنع دخول اللجنة إلى أراضيها بحجة أنها غير معنية بولاية هذه اللجنة. علاوةً على ذلك، كان يتعين على هذه الدول تقديم المعلومات المطلوبة إلى اللجنة في إطار التحقيق في الهجوم الإرهابي الحاصل.
- ثالثاً، مع أنه أتى على ذكر سوريا صراحةً في القرارين 1636 و1644 كدولة ثالثة ملزَمة بأن تتعاون تعاوناً تاماً مع اللجنة من دون قيد أو شرط، أي في الشكل والمضمون على حد سواء، لا يمكن أن نستنتج أن هذا التعاون الإلزامي بالنسبة إلى سوريا يستثني الدول الثالثة. على كل حال، فإن الرئيس الثاني للجنة التحقيق الدولية السيد سيرج براميرتز أشار في تقاريره إلى غياب التعاون من جانب بعض الدول الثالثة في بعض الأحيان، وعبّر أحياناً أخرى عن رضاه حيال تعاون دول أخرى، من دون أن يأتي على ذكر سوريا بشكل حصري .
وفي ضوء هذه الوقائع، من الواضح أن المرحلة الأولى الواقعة بين 2005-2009 والتي أدت في نهاية الأمر إلى إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان وانطلاق عملها إعتباراً من شهر آذار/مارس 2009 مطبوعة بضرورة لا بل واجب الدول الثالثة التعاون مع لجنة التحقيق الدولية في التحقيق في الهجوم الإرهابي الذي أدى إلى اغتيال السيد رفيق الحريري.
فماذا عن مرحلة ما بعد آذار/مارس 2009؟ هل لا تزال الدول الثالثة ملزمَة بالتعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان؟ أم أنها تحررت من "نير" لجنة التحقيق بما أن مهامها قد انتهت بعد إنشاء مكتب المدعي العام في شهر آذار/مارس 2009؟
ثانياً: تعاون الدول الثالثة مع المحكمة الخاصة بلبنان إعتباراً من آذار/مارس 2009 :
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة في الفقرة 26 من تقريره الرابع المقدم عملاً بقرار مجلس الأمن 1757، أن المحكمة الخاصة بلبنان تستأنف عملها اعتباراً من الأول من آذار/مارس 2009. وبالتالي، فإن العملية الإنتقالية من لجنة التحقيق إلى مكتب المدعي العام تصبح نافذة اعتباراً من ذلك التاريخ لضمان حسن سير العمل في المحكمة. هنا يجدر التساؤل عمّا إذا كان تعاون الدول الثالثة "الإلزامي" مع لجنة التحقيق لا يزال ساري المفعول وحقيقياً مع مكتب المدعي العام، أو أنه لم يعد كذلك باعتبار أنه قد جرى إنشاء هيئة أخرى إعتباراً من آذار/مارس 2009 (ألف). وسنرى لاحقاً ما سيكون عليه التعاون بالنسبة إلى الدول الثالثة مع الأجهزة الأخرى التابعة للمحكمة الخاصة بلبنان إستناداً إلى قواعد الإجراءات والإثبات وإلى التقرير الأخير الصادر عن رئيس المحكمة الخاصة بلبنان، القاضي أنطونيو كاسيزي (باء).
2.1. الانتقال من لجنة التحقيق الدولية الى مكتب المدعي العام: من واجب التعاون إلى الدعوة إلى التعاون
يعتبر بعض رجال القانون وخبراء القانون الدولي أنه بمجرّد أن مكتب المدعي العام ما زال يحقق في الهجوم الإرهابي الذي وقع في 14 شباط/فبراير 2005، يتعين تطبيق الأحكام المتعلقة بقرارات مجلس الأمن 1595 و1636 و1644 ذات الصلة. فبما أن المرحلة الراهنة ما زالت في طور التحقيق فلا بدّ لهذا التحقيق أن يجرى وفقاً لأحكام القرارات المذكورة أعلاه وعلى الدول الثالثة أن تتعاون مع مكتب المدعي العام من دون أي تلكؤ أو تحفظات.
غير أننا نلاحظ بعض العيوب التي تشوب منطق التفكير هذا والمستندة إلى النصوص المرجعية. فالقرارات المذكورة أعلاه لا تأتي بتاتاً على ذكر التحقيق "المحض". بل يجري الحديث عن التعاون مع كيان محدد، وهي لجنة التحقيق الدولية المكلفة بالتحقيق في الهجوم الإرهابي الواقع في 14 شباط/فبراير 2005. لذلك، فإن واجب الدول بالتعاون موجَّه باتجاه هيئة محددة، كما ورد في القرارات 1595 و1636 و1644.
إلى ذلك، تشير المادة 17 من المرفق الأول للقرار 1757 إلى أنه "تُتخذ الترتيبات الملائمة لكفالة تنسيق الإنتقال من أنشطة لجنة التحقيق الدولية المستقلة المنشأة عملاً بقرار مجلس الأمن 1595 (2005) إلى أنشطة مكتب المدعي العام". وهذا يعني أن مهام لجنة التحقيق تنتهي بحلول الأول من آذار/مارس 2009 تاريخ بدء المحكمة الخاصة بلبنان بعملها، بما في ذلك مكتب المدعي العام. فتكرَّس نهاية كيان (لجنة التحقيق)، ويولَد آخر (مكتب المدعي العام)، من دون أن يؤثر ذلك على الغاية من الكيان الأول أوعلى جزء من مهام الكيان الثاني، أي مسألة التحقيق.
كذلك تجدر الإشارة إلى أن ولاية المدعي العام كما ورد في النظام الأساسي للمحكمة الخاصة بلبنان، في مرفق القرار 1757 تقضي بإجراء "التحقيقات والملاحقات". ولكن من غير الواضح كيف أن الدول الثالثة ستكون ملزمة بالتعاون مع مكتب المدعي العام في مرحلة التحقيق، من دون أن يصحّ ذلك في مرحلة الملاحقة. فضرورة التعاون يجب تحديدها مع أجهزة المحكمة الخاصة بلبنان وليس بحسب الهدف أو الغاية... فمن شأن ذلك أن يجزّئ علاقات المحكمة الخاصة بلبنان مع الدول الثالثة ولن يسمح بتأمين حسن سير العدالة الدولية.
أخيراً، توفر قواعد الإجراءات والإثبات التوضيح النهائي في هذه المسألة. فقد جاء في المادة 14 من قواعد الإجراءات والإثبات أنه "يجوز للمدعي العام أن يطلب من أي دولة أو هيئة أو شخص التعاون في إطار التحقيقات أوالملاحقات بما يتوافق مع النظام الأساسي (...)". والأمر سيّان بالنسبة إلى المادة 18 من قواعد الإجراءات والإثبات التي تنص في الفقرة (أ) على أنه "إذا تبين للمدعي العام أن اعتداءً يمكن أن يدخل في اختصاص المحكمة (...) يجوز له الطلب من تلك الدولة تزويده بكل المعلومات ذات الصلة في هذا الخصوص". كما نقرأ التتمة في الفقرة باء : "إذا تبين للمدعي العام أنه من الضروري ومن أجل حسن سير تحقيق أو ادعاء متعلق باعتداء يدخل في اختصاص المحكمة، استجواب شهود، أو تفتيش أماكن، أو مصادرة مستندات أو أية أدلة أخرى محتملة، أو اتخاذ أية إجراءات تحقيق أخرى في دولة ثالثة، يجوز للمدعي العام طلب المساعدة من السلطات المعنية في الدولة تلك لتقوم بتلك الإجراءات، و/أو طلب الترخيص لفريقه للقيام بتلك الإجراءات".
إن استخدام مصطلحات مثل "يطلب/يلتمس"، "يسأل" و"يطلب الترخيص" يعني أنه من الآن فصاعداً يقوم المدعي العام بإعداد طلب للتعاون ولكنه لا يفرض بأي حال من الأحوال التزاماً بالتعاون في المقابل، ما لم يتوفر اتفاق مبرَم بين المحكمة الخاصة بلبنان والدولة الثالثة المعنية تلتزم بموجبه هذه الأخيرة بالتعاون مع أجهزة المحكمة الخاصة بلبنان.
ومن الواضح أنه يتمّ التركيز من الآن فصاعداً على حرية الدولة الثالثة في التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان بناءً على التماس من أجهزة المحكمة، وبعد توافر اتفاق بالتعاون الملزم من قبيل ما كان سارياً في أيام لجنة التحقيق الدولية.
فماذا عن الإطار القانوني للتعاون؟
2.2. الإطار القانوني لتعاون الدول الثالثة مع المحكمة الخاصة بلبنان
يشير النص الأصلي لقواعد الإجراءات والإثبات المؤرخ 20 آذار/مارس 2009 إلى التدابيرالمعتمَدة في حال تخلف دولة ثالثة عن التعاون بعد التماس من المحكمة الخاصة بلبنان بهذا الخصوص. وتصل هذه التدابير إلى إحالة الملف إلى مجلس الأمن، حيث كانت تنصّ الفقرة جيم من المادة 21 من قواعد الإجراءات والإثبات على أنه "في حال تخلفت سلطات دولة ثالثة عن الإستجابة لطلب من قاضي أو دائرة الإجراءات التمهيدية وفقاً للفقرة ألف أو باء في غضون ثلاثين يوماً من إبلاغها هذا الأمر، يجوز لقاضي أو دائرة الإجراءات التمهيدية، حسب الإقتضاء، تنظيم محضر بهذه الواقعة. وعلى الرئيس التشاور مع السلطات المعنية في تلك الدولة بهدف الحصول على التعاون المطلوب. إذا رأى قاضي أو دائرة الإجراءات التمهيدية، بعد التشاور مع الرئيس، أنه لم يتمّ تقديم أي ردّ مقنع خلال مهلة معقولة، يعدّ الرئيس محضراً قضائياً بهذا الأمر ويحيل المسألة إلى مجلس الأمن للإطلاع واتخاذ إجراءات لاحقة وفقاً لما يراه مناسباً".
بعد بضعة أشهر، خلال مراجعة قواعد الإجراءات والإثبات بتاريخ 5 حزيران/يونيو 2009، حذفت المحكمة الخاصة بلبنان الفقرة "جيم" "الملزمة" من القواعد لتصبح الفقرة (ب) على هذا النحو: "إذا كانت دولة ثالثة غير ملزمة بالتعاون مع المحكمة وامتنعت عن الإستجابة لطلب صادر عن أحد أجهزتها، يمكن للرئيس أن يدخل في مشاورات مع السلطات المختصة في الدولة للحصول على التعاون المطلوب". بعبارة أخرى، تم استبدال التدبير الملزِم بإحالة الملف إلى مجلس الأمن بعملية تشاورية يضطلع بها الرئيس، نظراً لغياب أي التزام رسمي يفرض على الدولة الثالثة التعاون مع المحكمة .
وعلى الدولة الثالثة التي وافقت على التعاون مع المحكمة أن توقع اتفاقاً رسمياً يحدد أطر الإلتزام وسياقه القانوني. ففي الفقرة (ألف) من المادة 21 من قواعد الإجراءات والإثبات تعتبر المحكمة الخاصة بلبنان أنه في حال امتناع دولة ثالثة عن احترام التزاماتها وفقاً للبنود المحددة بموجب الإتفاق أو بموجب صك ذات الصلة "يُصار إلى حلّ الخلاف وفقاً للإجراءات المحددة في الاتفاق أو في الوسيلة القانونية ذات الصلة". وبالتالي ليس هناك من آلية ملزمة تُطبَّق بحكم الواقع في حال عدم تخلّف دولة ثالثة عن الوفاء بالتزاماتها.
إلى ذلك، يشير رئيس المحكمة الخاصة بلبنان، أنطونيو كاسيزي، في تقريره السنوي الأخير بتاريخ الأول من آذار/مارس 2011 إلى تعاون المحكمة الخاصة بلبنان مع الدول الثالثة، ويخلص في الصفحة 36 إلى أن الالتزام بالتعاون يقع فقط على الدولة اللبنانية حتى تاريخه، فنقرأ: "وعلاوةً على ذلك، سعى رئيس المحكمة إلى إضفاء الصفة الرسمية على التعاون مع مختلف دول المنطقة، وذلك عبر اتفاق دولي بشأن التعاون القضائي، ولكن هذه الخطوة لم تحمل الثمار المرجوة منها. فقد أعربت دول عديدة عن عدم استطاعتها إبرام اتفاقات رسمية لمواجهتها صعوبات محلية في المصادقة على أي معاهدة دولية وتنفيذها على وجه السرعة. عوضاً عن ذلك، عرضت هذه الدول أن تتعاون مع المحكمة بصورة غير رسمية في كل قضية على حدة. وفي غياب قرارات ملزمة صادرة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لفرض التعاون (بسبب الوضع القانوني الفريد للمحكمة الخاصة)، لم يوضع أي إطار قانوني متين للتعاون مع الدول، إلا مع الدولة اللبنانية".
إن هذه النصوص المرجعية تعني أنه في غياب نص واضح وملزم بحق الدول الثالثة للتعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان، يتفوق مبدأ سيادة الدول على كل الإعتبارات الأخرى. ولا يمكن اللجوء إلى القرارين 1373 و1566 لتحميل الدول الثالثة المسؤولية في حالة عدم التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان.
إن المبدأ العرفي في القانون الدولي "التسليم أو المحاكمة" (aut dedere aut judicare) يحمي في نهاية المطاف الدول الثالثة من مسؤوليتها تجاه غياب أو نقص التعاون مع المحكمة الخاصة بلبنان. فمن خلال رفع دعوى جنائية بحق متهمين محتملين من المحكمة الخاصة بلبنان يتواجدون على أراضيها وعدم الإستجابة لشرط نقلهم إلى هولندا، تكون الدولة الثالثة قد احترمت التزاماتها بموجب القانون الدولي العرفي وستعمل على التزامها مكافحة الإرهاب كما جاء في قرار مجلس الأمن 1373.
خاتمة:
ما زال على المحاكم الجنائية الدولية عموماً والمحاكم الخاصة على وجه التحديد شوط طويل تقطعه قبل أن تتمكن من رؤية المجتمع الدولي يأخذ على عاتقه قضية ضمان استجابة ملائمة لمتطلبات العدالة. وحتى عندما تتوافر النصوص التي تلتمس صراحةً من الدول التعاون مع هذه المحكمة أو تلك، تبقى الآلية التي تسمح بمعاقبة تصرف غير مناسب أو فعل غير مشروع للدول غير مطبقة .
فالمشكلة ليست في عدم التلاحم المتين بين عنصري الثنائي المكوّن من "السيادة والعدالة الدولية"، ولكن في سعي "السياسة والعدالة الدوليتين" لإيجاد أرضية مشتركة لا خطر فيها بأن تهدد إحداهما الأخرى أو تنقضها.
في هذه الأثناء، نرى العدالة الجنائية الدولية تسير بشكل صحيح وقد بدأت بإحداث أثر رادع من خلال مساءلة الإفلات من العقاب الذي طبع أفعال مرتكبي الجرائم الجماعية ومرتكبي الإغتيالات السياسية.
الأب فادي فاضل والدكتورة سينتيا عيد
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك