مرة أخرى تثبت الوقائع أن أهل الضاحية الجنوبية لبيروت هم أيضاً ضحايا الدولة الأمنية التي أنشأها "حزب الله" بين ظهرانيهم. فها هو المقدم في الجيش اللبناني عباس جمعة يسقط ضحية، في قلب هذه الدولة أثناء مطاردته مطلوباً مسلحاً وكان محمياً طوال سنوات إلى أن جاءت ساعة التخلي. وجمعة الذي أردته رصاصة في الضاحية الجنوبية، جرت مراسم دفنه في الضاحية وحزن عليه أصدقاء وأقارب يقيمون في الضاحية، وهو كان ينتظر مولوداً سمّاه حسن. فمن الذي جعل حسن يتيماً في يوم ولادته؟
المقدم جمعة سقط أثناء مطاردته مطلوباً يُطلق عليه اسم عنتر، وللأخير عنوان واضح ومعلن في الضاحية الجنوبية. يعمل في متجر في منطقة الغبيري، ويقيم في مكان مجاور للمتجر، على الرغم من أن مذكرات توقيف عديدة صادرة بحقه... إلى أن قُبض عليه تنفيذاً لمذكرة أخيرة صدرت بعد اتهامه بخطف المواطن يوسف بشارة من المتن الشمالي وتقاضيه فدية لإطلاقه.
بشارة دفع 400 ألف دولار ثمن حريته، بينما دفع جمعة حياته أثناء أدائه مهمته. لكن ليس هذا سبيلاً للمقارنة بين مرارتي العائلتين، وبالتالي بين سكان الضاحية الجنوبية وأهل المتن الشمالي، جراء انتشار عصابات الخطف، ذاك أن ثمة علامة أوضح على أن انتهاك حق الناس في الضاحية الجنوبية في العيش في ظل القانون يفوق الانتهاك الذي تعرض له المواطن يوسف بشارة. فـ"عنتر" المقيم في الضاحية الجنوبية كان صدر في حقه الكثير من مذكرات التوقيف، لم تتمكن الدولة، ولم تُبادر الى تنفيذها، وهو أمر عرّض سكان الضاحية لعيش في جوار مطلوب للعدالة. أما مذكرة التوقيف الأخيرة التي سُمح للدولة اللبنانية بتنفيذها بحق "عنتر"، فلم تكن تهدف لحماية السكان هناك من مطلوب للعدالة، انما لأن هذا المطلوب متهم بالاعتداء على مواطن من خارج الضاحية الجنوبية، لا بل لأن ضحيته هذه المرة مسيحي، وهو ما قد يعرض حليف الدولة الأمنية في الضاحية الجنوبية، أي ميشال عون، الى مساءلة ناخبيه له عن تحالفه مع حماة خاطفيهم.
لم تكن قيادة المقدم الشهيد عباس جمعة لترسله إلى ملاحقة عنتر لولا وجود هذه الاعتبارات. فهي لم تفعل ذلك قبلاً. وكلنا يعرف أنها لن تفعلها بعداً، إلا إذا كان الضحية من خارج الضاحية.
هذه المعادلة مقلوبة في الوعي اللبناني الشقي، ذاك أن اعتقاداً سائداً يقول إن أهل الضاحية يتمتعون بـ "حكم ذاتي"، فيما الحقيقة أنهم ضحاياه. فعندما كان ماهر المقداد يعقد مؤتمراته الصحافية، كان آلاف من اللبنانيين المقيمين في دول الخليج يشعرون بأن ترحيلهم صار محتملاً، فيما كان مئتان وأكثر من آل المقداد الذين يعملون في الخليج أيضاً يعتقدون ان ترحيلهم سيحصل بعد ان يُنهي ابن عمهم مؤتمره الصحافي مباشرة.
التعامل مع سكان الضاحية بصفتهم ضحايا الدولة الأمنية لـ "حزب الله" لا بصفتهم "متمتعين بخيراتها"، مهمة تحتاج إلى وعي مختلف بمعنى الدولة وبنعمة القانون. وإذا كنا في لبنان نعاني ضعف الدولة والقانون، ففي الضاحية الجنوبية يعانون انعدامهما.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك