التاريخ لا يرحم، لأنه يجسّد ذاكرة الشعوب التي لا يمكن محوها، وهو الحكم في تحديد من تمجّده الذاكرة أو تلفظه، حكمة أراد الخبير الأميركي في القانون الدولي الإنساني مارك إليس الانطلاق منها في معرض تعليقه على مقاربة الحكومة اللبنانية لقضية اللاجئين السوريين. تعليق يضعه في خانة الرأي الخاص الذي يصّر على أنّه لا يلزم إدارة الرئيس باراك أوباما على رغم كونه عضواً في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي.
لا ينكر المدير التنفيذي لرابطة المحامين الدولية (IBA) أنّ اللاجئين السوريين يشكّلون تحدياً رئيسيا للبنان، وسط استمرار موجة تدفقهم. ويقول إليس في حوار مع "الجمهورية": "لقد تحدثت إلى اللاجئين وهم ضائعون ووضعهم دراماتيكي، ليس أمراً سهلاً أن يُهجّروا من بلدهم". ويضيف: "التاريخ سيحكم على لبنان بشكل إيجابي، إذ تبذل السلطات اللبنانية ما في وسعها بشكل عام من اجل مساعدة اللاجئين السوريين".
ويذكّر إليس بتجربة مقدونيا مع لاجئي كوسفو في العام 1999، واحتضانها اللاجئين، ما جعلها نموذجاً يحتذى به لجهة تعاطيها بطريقة إيجابية وإنسانية مع اللاجئين.
ويثمّن قيام الحكومة اللبنانية بخطوات إيجابية تجاه اللاجئين السوريين، منتقداً في الوقت عينه ترحيل بعض النازحين السوريين، وإعادتهم إلى بلادهم على رغم مخاطر تعرضهم للتعذيب. ويقول: "هذا أمر لا يسمح به القانون الدولي، ولبنان لديه مسؤولية تجاه المجتمع الدولي". ويؤكّد أنه يمنع على لبنان أن يقوم بترحيل اللاجئين، إذا ما توافر دليل على إمكان أن يتعرضوا لتعذيب في حال عودتهم إلى سوريا.
حتى هذه اللحظة، يقوم لبنان بعمل جيد بشكل عام، وهو يحتكم لمعايير حقوق الإنسان التي تحتّم عليه التعاطي مع اللاجئين بطريقة إنسانية، وحتى بالنسبة إلى اللاجئين الموجودين بشكل غير قانوني، ينبغي منحهم الحد الأدنى من حقوقهم الإنسانية.
ويشيد إليس باحتضان العائلات اللبنانية اللاجئين، ويقول: "على رغم عدم وجود مخيمات للّاجئين السوريين في لبنان إلا أنّ بنية المجتمع اللبناني سهّلت دمجَ اللاجئين، وهذا مؤشر إيجابي بالمقارنة مع وضع اللاجئين في كلّ من الأردن وتركيا".
ويلفت إلى أنّه لا يمكن التذرع أنّ لبنان غير موقّع على الاتفاقية الخاصة باللاجئين لعام 1951، للتهرب من مسؤولياته تجاه اللاجئين، فهو ملزم بموجب قواعد حقوق الإنسان، معاملتهم بطريقة معهم إنسانية بحكم كونه طرفاً في اتفاقيات دولية عديدة.
ويوضح بما أنّ "غالبية اللاجئين هم من الأطفال والنساء ولبنان موقّع على اتفاقية حقوق المرأة والطفل، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يترتب عليه منح المدنيين حقوقا اقتصادية واجتماعية، وتأمين مستوى جيد من المعيشة لهم وتوفير الرعاية الصحية وعدم الاعتقال، وحمايتهم من التعذيب، والنساء على وجه التحديد من الاغتصاب".
ولا يخفي وجود بعض الثغرات في مقاربة موضوع اللاجئين السوريين، إلا أنّه يعتبر أنّ هذه مسؤولية منظمات المجتمع المدني والإعلام في الإضاءة عليها لتصويب الخلل. وهي مخاوف شرعية وتتحتم مقاربتها بمسؤولية. وإذا لم تستجب الحكومة اللبنانية في حينه، ستواجه مشكلة".
ويقرّ إليس أنّه لا يمكن للبنان منفرداً أن يعالج مسألة اللاجئين، لذا فإنّ المجتمع الدولي مطالب بأداء دور حيوي قوامه الشراكة لمساعدة لبنان على مواجهة هذه التحديات، من دون أن يفصح عما إذا كانت الإدارة الأميركية في صدد زيادة مساعداتها لمساندة الحكومة اللبنانية في هذا الإطار.
وينكر وجود تمييز بين اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، فالقوانين والقواعد الدولية تنظر إلى اللاجئ بصفته الإنسانية، وليس وفقاً لهويته.
قلق إليس ليس على اللاجئين فقط، فللمحامين السوريين حصتهم أيضا. وفي حكم كونه المدير التنفيذي لرابطة المحامين الدولية، يستنكر فشل نقابة المحامين السوريين في حماية أعضائها من تعسف السلطات الأمنية، والذين اعتقل عدد منهم على خلفية مشاركتهم في تظاهرات مناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد، فيما صودرت جوازات سفر بعضهم ومُنعوا من مغادرة سوريا.
ويلفت إلى أنّه في حزيران 2012 صوّت بالإجماع على تعليق عضوية نقابة المحامين السوريين على خلفية عدم تجاوبها مع الرسالتين اللتين وجهتهما (IBA)، على خلفية فشلها في حماية أعضائها من التعرض لملاحقة قضائية.
ويقول: "علّقت رابطة المحامين الدوليين عضوية نقابة المحامين في سوريا، بعد أن خلصت إلى أنّ هذه النقابة لم تلتزم بقوانين الرابطة الدولية، وعجزها عن حماية الحقوق الأساسية للإنسان على رغم أنّ ذلك يشكل جزءاً من مسؤولياتها"، على أمل أن تعود رابطة المحامين السوريين إلى أداء الدور المنوط بها في المستقبل القريب.
مستقبل يتوقع أن يحمل معه طائف سوري على غرار اتفاق الطائف الذي وضع حداً للحرب الأهلية اللبنانية، وتكون عرابته روسيا. إذ لا يخفي إليس نية المجتمع الدولي إعادة تفعيل اتفاق جنيف الذي تمّ التوصل إليه في حزيران الماضي، والذي يدعو إلى مرحلة انتقالية في سوريا، ويتضمن توجهاً لتسوية النزاع من دون محاكمة القوات النظامية والشبيحة والمعارضين الذين انتهكوا حقوق الإنسان في سوريا.
إلا أنّ رغبة إليس تكمن في ألّا يساوم المجتمع الدولي على العدالة لإنهاء النزاع، وان يكون حازماً وأن يُسائِل من يقوم بهذه الجرائم وأعمال التعذيب.
ويشدد على ضرورة عدم منح الحصانة للأسد. ويقول: "ليست مهمتنا تحديد من يقوم بالخطأ، لجنة التحقيق التي أرسلتها الأمم المتحدة تؤكد قيام الحكومة السورية ومليشياتها بعدد لا متناه من الانتهاكات، لسوء الحظ حتى الآن لم يتم جلبهم إلى العدالة".
ويضيف: "القانون الدولي واضح جداً، إنّ من يرتكب جرائم حرب وتعذيب وجرائم ضد الإنسانية يجب أن يواجه العدالة الدولية. إذا سمحنا للحكام ارتكاب هذه الجرائم من دون مساءلتهم، عندها سيستمر سيناريو القتل والجرائم، ولن يشكّل ذلك عبرة لأي طاغية".
ويرفض عضو مجلس العلاقات الخارجية اتهام إدارة أوباما بالوقوف متفرجة أمام الأزمة السورية. ويقول: "يجب أن يكون الرد دولياً في مواجهة نظام الأسد. أي أن تقوم به عدة دول وليس الولايات المتحدة بمفردها، فهذه مسؤولية مجلس الأمن".
وينكر ربط الموقف الأميركي من الأزمة السورية بالانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل. ويقول: "في ظل وجود دولتين تمارسان حق النقض "الفيتو"، لا يمكننا القيام بخطوة أحادية، الطريق الوحيد يكون بتحرك دولي موحد. على الأسرة الدولية أن تتحرك كمجموعة لوقف حمام الدم في سوريا. القيام بتحرك دولي ضد سوريا لا يتمّ خارج مجلس الأمن، دولة واحدة لا يمكنها تقرير ذلك".
إلا أنّه يستدرك أنّ غزو العراق كان مختلفاً، وشكّلت الولايات المتحدة وبريطانيا تحالفاً دولياً للإطاحة بنظام صدام حسين خارج إطار مجلس الأمن، بذريعة وجود أسلحة دمار شامل، وأُعتبرت في حينها حرباً وقائيةً.
وإذ يتأسف لعدم تحرك المجتمع الدولي لأسباب إنسانية بحتة، يدعو مجلس الأمن إلى مطالبة المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بالتحرك، إلا أنهّ يدرك في الوقت عينه أنّ ذلك دونه عقبات، إذ لا يمكن أن تأخذ المحكمة الجنائية قراراً بمحاكمة الأسد بسبب انقسام أعضاء مجلس الأمن.
ويختم بدعوته طرفي النزاع في سوريا إلى ضرورة الاحتكام إلى القانون الدولي وحماية المدنيين، ويعوّل على أن يضمن المجتمع الدولي عدم انتشار مبدأ الإفلات من العقاب، فيما خصّ انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك