أوضحت مصادر مطلعة في لقاء القمة الروحية في بكركي، ان استنكار الصرح البطريركي للإساءة للأديان بشتى الاشكال والمظاهر الكلامية او الكاريكاتورية او الفنية لا يأتي في اطار المظاهر الاجتماعية والمجاملات بين رؤساء الطوائف، إنما يستنبط الحس الوطني الجامع لرسالة لبنان القائم على العيش المشترك الواجب حمايته بكل الطرق والوسائل التي قد يكون إحداها القمة المسيحية - الاسلامية التي انعقدت صباح امس الاثنين في بكركي واسفرت عن استنكار جمعيع المرجعيات الروحية لهذه التعليقات والمظاهر غير الحضارية التي تتعمّد نشرها بين الحين والآخر جماعات ومجموعات بعيدة كل البعد عن مفهوم وقيم وحضارة الأديان السماوية لتصب فقط في مستنقع الحروب والاقتتال الطائفي والفوضى في اطار مخطط شرس لضرب الاديان الاسلامية والمسيحية وإحداث شرخ في المجتمعات المكوّنة من اقليات خصوصاً في خضم المرحلة الصعبة والدقيقة التي يعيشها الوطن العربي.
وفي تقدير مصادر بكركي ان التيارات التي تقف وراء هذه المخططات الشيطانية بملحدي العالم الذين يعملون في الظلمة لتدمير ليس فقط الاديان السماوية بل القيم الأخلاقية، وهذه الحقيقة تظهر جلية في تنامي فطريات الافلام الاباحية والمحطات المتخصصة في نشر ثقافة العري والإلحاد ونقد الاديان والمعتقدات لتجريد الانسان من قيمته الانسانية المتمثلة في جسده الذي وهبه اياه رب العالمين وفي روحه التوّاقة دوماً الى اللامتناهي، لتنغمس هذه الاخيرة في تفاهات وسخافات المظاهر السفيهة وتنشغل عن تمجيد الخالق الأوحد سبحانه تعالى.
ويأتي دور بكركي في التضامن مع المرجعيات الروحية كافة لنظم قانون دولي يمنع التعدي على كرامة الانسان من خلال التعدّي على الدين والمعتقد في اطار «اعتناء الكنيسة بالانسان فرداً ومجتمعاً»، لان الانسان هو اول درب تسلكه الكنيسة في حمل رسالتها، درب رسمه المسيح بنفسه ويمر دوماً وابداً بسّري التجسُّد والفداء.
واعتبر مشاركون في القمة ان الهدف ليس وقوف بكركي موقفاً متضامناً مع الفريق الآخر في الوطن لاستنكار الفيلم المسيء للرسول عليه السلام، إنما لرص الصفوف من أجل التصدّي للمشاريع المشبوهة التي تستهدف كل الاديان ولمنع الشباب من الانجرار وراء الغرائز الدينية، ليبقى لبنان واحة السلام والالتقاء بعيداً عن المؤامرات التي تحاك لتفتيت المجتمعات عبر افراغها من رسالة الدين السامية.
القمة الروحية الاسلامية المسيحية طرحت في شقها الثاني تداعيات الإنهيار الوطني نتيجة تردّي الاوضاع الاقتصادية والغلاء المستشري والانعكاسات السلبية على الطبقة الدنيا، مما قد يوصل سفينة الوطن الى الإنحراف عن جوهر الميثاق الوطني والقبول بمراهنات خارجية قد تغيّر صورة لبنان وديمغرافيته للخروج من المعضلة الاقتصادية المتفاقمة.
واشارت المصادر لصحيفة "اللواء" الى ان مشاورات القمة الروحية في بكركي اخذت بعين الاعتبار الورقة التي قدمتها بكركي في اجتماع المطارنة الموارنة الشهري في الاول من آب الماضي، والتي جاءت نتيجة صرخة اجتماعية مدوّية، ترجمها اقتصاديون بأرقام لها انعكاسات غير مطمئنة على مستقبل البلد الاقتصادي.. وبالتالي يلوح في الأفق شبه انهيار كبير وخطر إفلاس الدولة، والمؤشرات واضحة في تعثُّر الدولة في دفع المستحقات للمؤسسات العامة والخاصة والعجز عن تطوير البنى التحتية والخوف من عدم التمكن من تأمين الرواتب والاجور للعاملين في القطاع العام ودفع مستحقات الرواتب التقاعدية وصرف تعويضات نهاية الخدمة.
واشار خبراء ان بكركي قدّمت حلولاً عبر ضرورة تركيز الدولة على دورها الناظم في مجال الاقتصاد وسن القوانين العادلة التي تحدّد الحقوق والواجبات لتحد من الاحتكار وترعى الضعفاء وتؤمن العدالة الاجتماعية وتنشر التنمية المتوازنة في كل المناطق.
كما ناشد المجتمعون الدولة اخضاع الجميع لمتطلباتها لمكافحة الانحرافات فلا يكون صيف وشتاء فوق سطح واحد بل تتعامل الدولة بعدالة ومساواة مع جميع ابنائها.
واشار مراقبون الى ان الاجتماع الروحي طرح تداعيات زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر الى لبنان، وضرورة الأخذ بعين الاعتبار مضمون الارشاد الرسولي من اجل الشرق الاوسط، هذه الوثيقة التي سيشكّل منطلقاً لإسقاط نظرية تحالف الاقليات وتتطلع الى الحوار الاسلامي المسيحي الشامل كمدخل لحل المشاكل الداخلية والاقليمية الذي يسمح لشعوب الشرق الاوسط للوصول الى سلام دائم على اساس احترام حقوق الانسان والاديان.
فالارشاد الرسولي الذي شدّد على واقع الحوار بين الاديان ليس عبر اعتبارات سياسية او اجتماعية، بل من خلال حوار مبني على اسس الايمان اللاهوتية حيث ان اليهود والمسلمين والمسيحيين يؤمنون بالإله الواحد، والأمل هو ان يرى المؤمن في المؤمن الآخر، أخصاً يحبُّه ويحترمه وبالتالي يطالب الارشاد تجنيب استغلال الدين في نزاعات لا يمكن ان يقبلها المؤمن الحقيقي.
انه الوجود المسيحي في الشرق الذي يؤكد عليه الارشاد الرسولي والحرية الدينية في ممارسة الدين دون ان يشكل ذلك خطراً على حياة المؤمن. واشار المجتمعون الى دعوة البابا المسؤولين الروحيين والدينيين في الشرق ان يقوموا بكل ما يستطيعون، لاقتلاع خطر الاصولية الدينية الذي يهدد دونما تمييز المؤمنين في جميع الديانات كما «العلمانية» التي بدأت تظهر تحت اشكال التطرف لان العلمانية السليمة تفرض الاحترام المتبادل.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك