هو الاعلام مجدّداً في دائرة "الاستهداف"، وقد تحوّل لـ"مكسر عصا" بالنسبة للبعض..
بالأمس، كان دور قناة "الجديد" التي هاجم مبناها مجهولون ملثمون تسلّحوا بـ"عدّة" هي عبارة عن إطارات مطاطية ومسدّسات حربية. تحت جنح الظلام، حاولوا اقتحام مؤسسة إعلامية تفتقر، كغيرها، للحدّ الأدنى من "الحماية". أطلقوا النار، أحرقوا الاطارات، وجّهوا "الرسالة"، وفرّوا. بقي واحد منهم تمكّن أمن المحطة وشباب المنطقة المحيطة من توقيفه وسلّموه لفرع المعلومات لبدء التحقيقات.
سريعاً، تحوّل المبنى المستهدَف إلى "مقصد" السياسيين الراغبين بتسجيل المواقف "الكلامية" المؤيدة لحرية الاعلام والتعبير. كلهم "توحّدوا" على استنكار ما حصل وعلى التضامن مع القناة بل شدّدوا على ضرورة متابعة القضية حتى النهاية ومحاسبة من يقف وراءها. كلّهم قالوا كلمتهم ومشوا، ليبقى أهل البيت، الاعلاميون، وحدهم يدركون أنّ "الاستنكار" لم يعد يكفي..
كلّهم متضامنون...
ليست المرّة الأولى التي يُستهدَف فيها الاعلام اللبناني. كثيرة هي محطّات هذا الاعلام مع أيادي "الغدر"، على كثرتها. وكثيرة هي محطات التضامن، التي لا تتعدّى الطابع "الكلامي" مع هذا الاعلام. لكنّها المرة الأولى ربما التي تجد فيها مؤسسة إعلامية نفسها بـ"خطر مباغت ومفاجئ" كما حصل بالأمس، حين كانت الدولة "تتفرّج" وتوزّع "الوعود" لا أكثر.
الحادثة، على خطورتها، لم تكن مفاجئة. فالرأي العام بات معبّأ ضدّ الاعلام. سعى كثيرون في الفترة الأخيرة لتكريس نظرية أنّ الاعلام يتحمّل مسؤولية كلّ شيء، من الأحداث الأمنية المتنقّلة إلى الفساد الاجتماعي والأخطاء التي تحصل هنا وهناك، ولا تزال حادثة "قمع" نقيب المحرّرين الياس عون في قلب نقابة الأطباء لدى محاولته الدفاع عن هذا الاعلام ماثلة في الأذهان. أضف إلى ذلك الانقسام السياسي الحاد الذي ينعكس أولاً وقبل كلّ شيء على الاعلام.
ولأنّ قناة "الجديد" جزء من هذا الاعلام، كان الهجوم عليها بالأمس، هجوم ربطه البعض باستضافة المحطة لامام مسجد بلال بن رباح في صيدا الشيخ أحمد الأسير يوم الأحد وفتح الهواء لـ"كلام فتنوي" رغم أنّ المحطة قدّمت لمشاهديها "اعتذاراً" عن كلّ ما ورد في هذه الحلقة. وبانتظار اكتمال التحقيقات لتبيان حقيقة ما جرى، تبقى حقيقة واحدة مثبتة هي أنّ المحطة تعرّضت قرابة التاسعة والنصف ليلاً لاعتداء نفّذه خمسة مسلحين مجهولين، تمثل بإطلاق النار على مبنى المحطة وإحراق إطارات مطاطية ورميها في اتجاه مدخلها. وفيما تمّ توقيف أحد "المتورّطين" في الحادث، وهو كما أعلن وزير الداخلية مروان شربل من "أصحاب السوابق"، تلقت القناة اتصالات "تضامنية" بالجملة لعلّ أبرزها اتصال رئيس الجمهورية الذي أكد رفضه الاعتداء على الإعلام ومؤسساته والتضييق على الحرية، ورئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي نفى باسم حركة "أمل" أن يكون الشاب الموقوف ينتمي إليها، علماً أنّ الوزير علي حسن خليل والنائب حسن فضل الله زارا مبنى القناة تضامناً.
حوار.. يدور حول نفسه!
وإذا كان الاعتداء على قناة "الجديد" يأتي عشية "الشهر الأمني" الذي وعد وزير الداخلية والبلديات مروان شربل اللبنانيين به تحت عنوان إعادة الثقة بالوضع الأمني وطمأنة السياح والمغتربين، فإنه يأتي أيضاً بعد جلسة حوارية وُصفت بـ"المثمرة" توافق خلالها "الأقطاب" على جملة من "المقرّرات" لعلّ أهمها تحديد موعد الجلسة المقبلة في الرابع والعشرين من شهر تموز. وبحسب البيان الختامي الذي صدر عن هيئة الحوار الوطني، فقد توافق المشاركون على ضرورة الالتزام بشكلٍ فعلي ببنود "إعلان بعبدا"، ولاسيما ما يتعلّق منها بالتهدئة الأمنيّة والسياسيّة والإعلاميّة، ودعم الجيش، وتحييد لبنان عن الصراعات الإقليميّة والدوليّة وعدم السماح باستعمال لبنان مقرّاً أو ممرّاً أو منطلقاً لتهريب السلاح والمسلّحين. وأعلنوا استئناف البحث بموضوع الاستراتيجية الوطنية الدفاعية ومن ضمنها موضوع السلاح، في الجلسة المقبلة واعتبار التصور الذي سيقدمه الرئيس ميشال سليمان منطلقاً للمناقشة.
وفيما أشار بيان جلسة الحوار إلى أنّ أفرقاء الحوار تمنوا أيضاً على الحكومة وضع الآليات المناسبة لتنفيذ القرارات السابقة التي تمّ التوافق عليها في طاولة وهيئة الحوار الوطني، كما تمنوا على الحكومة متابعة تنفيذ قرارات وثيقة الوفاق الوطني في الطائف وطاولة وهيئة الحوار الخاصة بالموضوع الفلسطيني من جوانبه كافة، ذكرت المعلومات أنّ الجو كان ودياً وتفاهمياً خلال الجلسة وأنّ أيّ "سجال" لم يحصل رغم "التباين" في الآراء، وأنّ رئيس الجمهورية سيقدّم تصوّره في مستهلّ الجلسة المقبلة على أن يحاول من خلاله "الموازنة" بين طروحات الفريقَين في محاولة للوصول إلى "قواسم مشتركة" على هذا الصعيد.
هذا ويستكمل رئيس الجمهورية ميشال سليمان، اليوم، جولته الخليجية التي بدأها سعياً للعودة عن قرارات منع السفر الى لبنان، حيث سيقوم بزيارة خاطفة للبحرين تستمر ساعـات عـدة، ويلتـقي خلالها الملك حمد بن عيسى آل خليفة وكبار المسؤولين، وسيرافقه فيها نائب رئيس الحكومة سمير مقبل.
كلمة أخيرة..
لا يمكن للاعتداء على وسيلة إعلامية، أياً كانت أسبابه ودوافعه، أن يكون مبرّراً بأيّ شكل من الأشكال، ففي بلد "الخطوط الحمراء"، يفترض أن يكون الاعلام، وهو الذي أثبت فعلاً وقولاً، أنه "السلطة الرابعة"، محمياً ومحصّناً. والأكيد، بناءً على كلّ ما سبق، أنّ "استنكار" ما يتعرّض له الاعلام كلما حصلت حادثة ما لم يعد يكفي وأنّ المطلوب تحويل "التضامن" و"الاستنكار" إلى أمور "عملية" تأخرت كثيراً..
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك