في الدائرة الأولى من بيروت، لا تغييرات جذرية في المشهد الانتخابي، ولا إضافات على «بازل» العاصمة، سوى الحراك «المكتوم» الذي يقوم به «الطامحون». بعضهم يبذل جهوداً مرئية، تسجّل له في خانة الإنجازات ولو المتواضعة، وبعضهم الآخر يعتمد الأسلوب السلحفاتيّ الذي قد لا يثمر راهناً، وثمة فئة ثالثة تراهن على «فلتة شوط» قد توصلها إلى «اللائحة الذهبية» وتضعها رسمياً في حلبة المنافسة في الدائرة المسيحية في العاصمة.
ليس خفياً على أحد أن «بورتريه» المرشح، في أي من اللائحتين المتنافستين، له تأثيره على مجريات المعركة، فإما يزيد من رصيد المؤيدين وإما يقلّصه. وفي «الجبهتين»، ثمة من يبحث عن وجوه تساهم في تحسين الوضع الانتخابي لتزيد من عدد الأوراق في صناديق الاقتراع، مع الأخذ في الاعتبار أن اسمي المرشحين الكاثوليكيين محسومان لكل من ميشال فرعون في مقلب 14 آذار ونقولا صحناوي في «التيار الوطني الحر».
يعني ذلك أن «المعركة التمهيدية» التي تسبق «اليوم الكبير»، محصورة بمقاعد محددة:
- المقعد الأرثوذكسي، سواء في «بيوت» قوى الرابع عشر من آذار أو على الضفّة «البرتقالية».
- المقعد الماروني على اللائحة «العونية»، لا سيما أن نديم الجميل لا يشعر بأي مزاحمة من «ذوي القربى» وهو مطمئن الى وجود شبه اجماع آذاري عليه (من «الكتائب» و«القوات» تحديدا)
- المقعدان الأرمنيان على القائمة الآذارية، بفعل التنافس بين حزبيّ «الرامغفار» و«الهنشاك» من جهة، وحلفائهما من جهة ثانية، على اعتبار أن الجبهة الخصمة توكل هذه المهمة لحزب «الطاشناق» ليقرر اسمي المرشحيّن الأرمنيين.
وعليه، تصبح الصورة على الشكل الآتي:
أرثوذكسياً، انحصرت المنافسة على «الضفّة البرتقالية» بين القيادي في «التيار الوطني الحر» زياد عبس ورجل الأعمال نقولا تويني، حيث من المتوقع أن يعلن العماد ميشال عون نهاية السباق الداخلي خلال الأسابيع القليلة المقبلة، من أجل الوقت أمام «المرشح المفضّل» للتواصل مع القواعد بـ«صفة رسمية» منعاً لتكرار الالتباس الذي ساد ترشيحات الدورة الماضية.
وليس خافيا على البرتقاليين أن الحضور الذي راكمه القيادي العونيّ زياد عبس منذ دخوله معترك الشأن العام يخوّله أن يكون «الحصان» الأرثوذكسي الأربح على «القائمة البرتقالية»، من خلال حضوره الاجتماعي والسياسي والخدماتي، كما أن نتائج الاستطلاعات التي أجراها «التيار الوطني الحر» بتكليف من العماد ميشال عون، أو تلك التي أجراها أكثر من جهاز رسمي واحصائي، تقف إلى جانبه وتدعّم موقفه، لذا تراه يتحرّك عل أساس أنه المرشح، ولا أحد غيره.
وفي هذا السياق، بدا واضحاً أن المعايير التي وضعتها الرابية لحسم هوية المرشح الأرثوذكسي، تعتمد على مبدأين أساسيين، أولهما، الفرصة التي يملكها المرشح للنجاح، بمعنى «القيمة المضافة» التي سيقدمها لـ«البلوك البرتقالي»، مع العلم بأن كلّ مرشّح قادر على التأثير في هذا «الخزان» المفترض أنه مرصوص ومنظّم، سلباً أو إيجاباً... وثانيهما الولاء لـ«تكتل التغيير والإصلاح».
فالعماد عون يخوض استحقاق العام 2013 وعينه على الأغلبية النيابية (64 1)، التي يريدها بين يديه، ولذا لن يكلّف نفسه لا عناء تسديد فواتير داخلية (كما حصل مع اللواء عصام ابو جمرا في العام 2009) ولا خوض معارك تثبيت وجود غير مضمونة النتائج. الهدف واضح: الانتصار. ومعركة الأشرفية قابلة للربح، لذا من الواجب درس كل خطوة قبل الإقدام عليها.
يدرك عون ايضا أن الاستحقاقات التي ستلي الانتخابات النيابية لا تحتمل وجوهاً رمادية قد تنقلب عليه بين ليلة وضحاها. ولهذا فإن المعيارين ـ المبدأين اللذين وضعهما لغربلة المرشحين متساويان، لا سيما أن تجربة الدورتين الماضيتين بينتا أن «صقور» التكتل «العوني» هم بمعظمهم من فئة «المناضلين» في «التيار الوطني الحر» الذين صاروا نواباً.
ويتبيّن أن المنافسة تتمحور اليوم على قواعد «التيار» بينما يفترض أن تحصل على الشرائح غير «البرتقالية» من باب جذبها، حيث تعوّل القيادة «العونية» على تويني لاستقطاب الطبقة البرجوازية الأرثوذكسية التي ينتمي إليها، إلى جانب قدراته المالية التي تساهم في تسهيل و«تسييل» معركة «التيار»، مع الاشارة الى أن الخبراء الانتخابيين يؤكدون أن استحقاق الأشرفية لا يُحسم في أيامه الأخيرة، بل هو تراكم أشهر طويلة من العمل والمتابعة.
وهنا يؤكد زياد عبس أن العماد عون لم يحسم بعد أسماء «اللائحة البرتقالية» في انتظار «جوجلة» آخر المعطيات التي ستفصل الخيط الأبيض عن الأسود، ويشير الى أن هناك من يطرح ترشيح نقولا تويني الذي قد يشكّل قيمة مضافة على «التيار الوطني الحر»، لكن من الخطأ اعتبار البعض أن «التيار البرتقالي» أو أنصاره عرضة للبيع أو الشراء، لا سيما أن مناضليه واجهوا «النفوذ الحريري» باللحم الحيّ ولم يخضعوا لإغراءاته المالية والمعنوية، وبالتالي لا شيء سيكسرهم راهناً.
وما يزيد من ثقة «التيار الوطني الحر» بنتائج الدائرة البيروتية الأولى، هو الموقف الحياديّ الذي يلتزم به متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة، الذي يبلغ زواره أياً يكن انتماؤهم، أنه سيكون على مسافة واحدة من كل المرشحين، ومن القوى الداعمة لهم. لا أفضلية لأرثوذكسي على غيره، لا سيما أن المرشح «المفضّل» لدى «سيدنا»، والمقصود به طارق متري، ينأى بنفسه عن الاستحقاق الانتخابي.
على المقلب الآخر، الحسابات بين «البيوت الآذارية» لها قواعدها المختلفة. معراب تضع عينها على المقعد الأرثوذكسي، وحصانها الأبرز عماد واكيم الأمين العام لحزب «القوات اللبنانية»، لكنها لن تكتفي بالخروج من الاستحقاق بنائب واحد. في مفاوضاتها مع «تيار المستقبل» تطالب بمقعد ثان، أحد المقعدين الأرمنيين في الدائرة الأولى أو مقعد الأقليات في الدائرة الثالثة الذي يشغله راهناً نبيل دو فريج، من دون أن يخرج المقعد الأرثوذكسي في الدائرة الثالثة الذي يشغله راهناً عاطف مجدلاني، من دائرة المفاوضات «القواتية» ـ «المستقبلية».
وفي التفصيل يتبيّن، أن «القوات» مصرّة على مقعدين، أرثوذكسي وأرمني، وإذا فشلت في تحصيلهما من الدائرة الأولى، فإنها ستنتقل بمفاوضاتها إلى الدائرة الثالثة الأقل كلفة في المعارك. والجواب سيكون في ختام المسار التفاوضي بين معراب ووادي أبو جميل، في ضوء مصير «قانون الستين» و«الكوتا» النيابية لمسيحيي 14 آذار من أصل «الوعاء البيروتي الأزرق».
ولهذا، فإن حظوظ بقية المرشحين الأرثوذكس لم تنعدم، وإن كان موقع بعضهم إلى تراجع، كفادي عرموني الذي يبدو أنه لم ينل رضا فؤاد بطرس، أقرب المقرّبين من مطرانية بيروت للروم الأرثوذكس، والذي قد يضع «سرّها» في جيبه. وهنا أيضاً يتردد أن ميشال تويني (المعروف بميكي تويني) فاتح أحد أقطاب قوى الرابع عشر من آذار حول امكان انضمامه إلى اللائحة الآذارية بصفته مرشحاً مستقلاً، علما بأن جلسة على الغداء جمعت نديم الجميل وسيرج طورسركيسيان وميشال تويني مؤخرا.
مارونياً، لا تزال المنافسة محصورة على طاولة الرابية بين مسعود الأشقر وجورج شهوان، إلّا أن متتبعي حركة الدائرة يؤكدون أن القاعدة التي تسري على المقعد الأرثوذكسي تنسحب على المقعد الماروني.
أرمنياً، يصرّ حزبا «الرامغفار» و«الهنشاك» على إبقاء المقعدين الأرمنيين بين أيديهما، لا سيما أن جان أوغاسبيان يتصرّف كأنه اتخذ قرارا لا عودة عنه بعدم الترشح مرة جديدة الى الندوة البرلمانية، بينما بدأت ماكينة «الطاشناق» العمل محلياً وخارجياً استعداداً للاستحقاق في ضوء رهان قيادتها على الفوز بالمقعدين الأرمنيين في الدائرة الأولى.
ختاماً، فإن المشهد الانتخابي في العاصمة، في دائرتها الأولى، والمفروز إلى جناحين لا يلغي أبداً احتمال وجود ترشيحات مستقلة، لم يحسم بعد مصيرها، كسمير مقبل، دافيد عيسى وغيرهما.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك