كتبت راجانا حمية في "الأخبار":
لليوم الثاني على التوالي، انخرطت المستشفيات في حرب طاحنة تكبر فيها لائحة الأعداد التي تحتاج إلى الاستشفاء والعناية الفائقة، ومع اشتداد وطأة الحرب، وجدت المستشفيات نفسها أمام أزمة استيعاب أعداد كبيرة من المصابين تتدفّق دفعة واحدة إلى أقسام الطوارئ، خصوصاً في مستشفيات منطقتي البقاع والجنوب. لذلك، كان «الإرباك سيّد الموقف»، يوم أمس وأول من أمس، وفق الدكتور حسن وزني، المدير العام لمستشفى نبيه بري الحكومي في النبطية، إذ تبلغ سعة المستشفى 20 سريراً، فيما «أقل دفعة من المصابين تصل في الساعة الواحدة تُقدّر بـ40 مصاباً». وما صعّب الأمور أول من أمس تعطّل السير على الطرقات، ما حال دون تحويل المرضى إلى مستشفيات أخرى، لذلك فإن «معظم الذين أجرينا لهم عمليات اضطررنا إلى تركهم في غرف الإنعاش في انتظار خلو أسرّة في غرف العناية الفائقة»، وكذلك الأمر للمصابين بالحروق، إذ «لدينا 6 أسرّة امتلأت جميعها في الساعات الأولى، واضطررنا إلى وضع إصابتين في أقسام عادية». ولم يكن يوم أمس أخفّ وطأة مع استقبال المستشفى 180 إصابة و18 شهيداً، باستثناء الفتح الجزئي للطرقات الذي ساعد في تحرير بعض الأسرّة و«استعدنا السيطرة قليلاً مع إحالة بعض الجرحى إلى مستشفيات خارج المنطقة». والأمر نفسه ينطبق على معظم مستشفيات المواجهة، ومنها مستشفى تبنين الحكومي الذي استقبل أول من أمس 150 جريحاً، و«استطعنا أن نتدبّر بالتي هي أحسن»، يقول المدير العام للمستشفى الدكتور محمد حمادي.وكما في الجنوب، كذلك في البقاع، الذي واجه في اليومين الماضيين حرباً طاحنة خلّفت مئات الجرحى، وصبّ الضغط على بعض المستشفيات دون غيرها، ومن بينها دار الأمل الجامعي وبعلبك الحكومي ورياق. في مستشفى دار الأمل، مرّ اليوم الأوّل «ع الحفّة»، يقول المدير العام الدكتور علي علّام، بسبب الإرباك الذي أحدثته الضربات العنيفة المتلاحقة «حيث انشغل الكل من أطباء وممرضين في ترتيب أوضاع عائلاتهم». ومع أن الأمور عادت إلى نصابها مع انتظام الطاقم الطبي والتمريضي، إلا أن «الوضع ليس مثالياً ونعمل كل دقيقة بدقيقة»، مع فارق يمكن حسابه في الإيجابيات، وهو أن لا نواقص في المستلزمات والأدوية أقلّه حتى اللحظة. ومنذ بدء الضربات حتى ظهر أمس، استقبل المستشفى 18 شهيداً و120 جريحاً، علماً أن «أكثر من ثلاثة أرباع الأسرّة كان يشغلها جرحى الأيام السابقة».
حل أزمة السيولة
ليس بعيداً عن الأزمة الراهنة التي تفرضها وتيرة القصف، هناك أزمة السيولة التي كانت سبباً أساسياً للقاء الذي تبعه مؤتمر صحافي بين وزير الصحة فراس الأبيض ونقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، وهي «أزمة تمسّ كل المستشفيات» وفق ما قال هارون لـ«الأخبار»، مشيراً إلى أنه جرى التوافق على آلية تقضي بدفع مبالغ مقطوعة عن الأعمال الطبية التي تُجرى في المستشفيات بعد تسليم الأخيرة لفواتيرها. وحدّدت الوزارة مهلة تدقيق الفواتير ومن ثم تسليمها إلى مصرف لبنان بحدود أسبوعين، على أن تُدفع الحوالات المالية خلال أسبوع. وقد أبدت النقابة موافقتها بلا كثير من النقاش، «انطلاقاً من دقّة الظرف ولأن هذه الآلية تغطّي المصاريف على الأقل». إلا أن القلق يبقى من التطبيق، خصوصاً مع ظهور الفوارق ما بين المقطوعة والفواتير. مع ذلك، يأمل هارون أن تنسحب هذه المهل على المستحقات السابقة للمستشفيات، ولا سيما لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ووزارة الصحة، لأن هذا الأمر «يحلّ مشاكل في هذا الظرف الطارئ. فالإسراع في تسديد الفواتير يمكّن من إعادة تعزيز المخزون من الأدوية والمستلزمات». ومع أن الأمور اليوم «مضبوطة والمخزون متوفّر، لكن لا يمكننا أن ننتظر طويلاً خصوصاً أن كل شيء نشتريه، مطلوب أن ندفع ثمنه كاش».
وتطرح أزمة «الكاش» إشكالية العلاقة مع مستوردي المستلزمات الطبية وأصحاب المستودعات، حيث تواجه المستشفيات والوزارة المعضلة الأبرز، مع فرض هؤلاء الدفع قبل التسليم. أما الدعوات للمستوردين إلى إعطاء مهل للتسديد، فلا تجده نقيبة مستوردي المستلزمات الطبية، سلمى عاصي، منطقياً، لأن «المستلزمات الطبية تخضع للعرض والطلب، وإذا لم أقبض ثمن ما سلّمت كيف سأشتري في غياب التسهيلات من المصارف أو من الشركات». لذلك، «القصة مش شطارة وإنما قصة سيولة، فإذا لم نقبض فلا يمكن أن نشتري». أما بالنسبة إلى المتوافر من المستلزمات، فتؤكد عاصي أن «لا مشكلة في المخزون»، إذ تملك المستشفيات مخزوناً يكفي بين 3 و6 أشهر وكذلك الحال لدى الشركات.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك