جاء في "الأنباء" الكويتية:
على وقع مضي الحكومة في استكمال خطة الطوارئ اللازمة في حال الحرب الموسعة، ثمة من يقوم في المقلب الآخر بدق ناقوس الخطر والتنبيه والتحذير من أن ظروف حرب تموز 2006 مختلفة عن ظروف اليوم، حيث اقتصاد لبنان في ترنح وكما يقال «لا تهز الواقف ع شوار». وبالتالي أي توسع للحرب سيكون مدمرا على البلد الذي لن تكون قيامته سهلة وسريعة على غرار الـ 2006. رب قائل إن لبنان في تموز من العام 2006 عرف حربا في وجه إسرائيل ودمرت بناه التحتية، ثم عاد وبنى نفسه من جديد، وكذلك فعل نموه الاقتصادي الذي سرعان ما عاد إلى الارتفاع.
لكن في المقابل، الرأي الآخر يقول إن الواقع الحالي مغاير، ويكفي أن لبنان كان قد بدأ يخرج من أكبر أزمة اقتصادية ومالية ونقدية شهدها في العام 2019، قبل أن تقع الحرب في غزة وتفتح جبهة الإسناد من جنوب لبنان.
ويقول الباحثون الاقتصاديون إنه بعد الانهيار الاقتصادي والمالي في لبنان في العام 2019، كانت جائحة كورونا، ثم انفجار مرفأ بيروت في العام 2020، فالحرب الروسية - الأوكرانية التي انعكست زيادة في أسعار النفط والسلع في العالم، وكل ذلك ترك آثاره على الاقتصاد اللبناني الذي كان بدأ رحلة التعافي في العام 2023.
وبالمقارنة أيضا بين العام 2006 واليوم، فإنه في تلك المرحلة، كان النظام المصرفي في لبنان لا يزال صلبا والليرة اللبنانية بألف خير، وهذا ما مكن من فتح اعتمادات مصرفية ومنح قروض للنهوض من جديد بعد انتهاء حرب تموز، في موازاة الدعم الكبير للبنان الذي أتاه من الدول الخليجية.
أما راهنا، فالجسم المصرفي منهك ومشروع إعادة الهيكلة لم يسلك طريقه بعد، وبالتالي في حال الحرب على لبنان، القطاع المصرفي لن يكون حاضرا لتقديم العون في مرحلة ما بعد الحرب، بل سيحتاج نفسه إلى من يعينه، لاسيما في ظل خشية البعض من عودة الليرة اللبنانية إلى التدهور.
عن هذه الخشية، تحدث إلى «الأنباء» الخبير الاقتصادي والمالي د. محمود جباعي، فقال: «سعر صرف الليرة سيظل مستقرا حتى لو وقعت حرب واسعة على لبنان، لأن المصرف المركزي يملك ملياري دولار زيادة على احتياطاته منذ سنة وحتى اليوم، والكتلة النقدية في السوق تقدر بـ 650 مليون دولار، وبالتالي لديه اليد الطولى في السيطرة على سعر الصرف ولا خوف من انهيار الليرة».
ويلتقي جباعي في الرأي مع كثير من الخبراء على أن «لبنان كان في مرحلة الخروج من أزمته الاقتصادية الكبرى ويسجل معدلات نمو مهمة جدا نسبة إلى هذه الأزمة لولا بدء الحرب في غزة والجنوب والتأثيرات المباشرة وغير المباشرة التي تركتها حتى اليوم».
وقدر جباعي الخسارة اليومية كمعدل وسطي «ب 10 بالمئة من حجم الناتج المحلي، أي عبارة عن خسارة 6 ملايين دولار يوميا من أصل ناتج قومي هو 60 مليون دولار في اليوم، وهذا يعني أنه منذ 11 شهرا تاريخ اندلاع الحرب وحتى اليوم، هناك خسائر غير مباشرة على الاقتصاد اللبناني تتراوح قيمتها بين مليار و800 الف وملياري دولار».
ووفق جباعي، فإن «تأزم الوضع منذ شهر آب أدى إلى مغادرة بعض المغتربين والسياح، وخسارة ما لا يقل عن 500 مليون دولار كان يمكن أن تدخل لبنان، علما أنه قبل ذلك تراوح ما دخل بين مليار ونصف وملياري دولار، وحصل المصرف المركزي من السوق نحو 900 مليون دولار، فبلغ احتياطه 10 مليارات و400 مليون دولار».
وإذا كانت الخسائر على الاقتصاد اللبناني تقدر بـ 6 ملايين دولار يوميا، فإن هذا الرقم في حال الحرب الواسعة سيصل وفقا لجباعي، «إلى 100 مليون دولار يوميا و3 مليارات دولار شهريا».
أما بالنسبة إلى القدرة على التعافي السريع بعد انتهاء الحرب، فالأمر يتوقف في رأيه على «المبالغ التي ستضخ لإعادة الإعمار، فإذا وصلت إلى 3 مليارات دولار، سيؤدي ذلك إلى إنعاش اقتصادي على غرار ما حصل بعد حرب 2006، لأن الحروب لها وجهان في الاقتصاد، فخلالها تقع أزمة اقتصادية، ولكن بعد انتهاء الحرب ومع توفير دعم مالي لإعادة الإعمار، يتم تعويض نسبة كبيرة من الخسائر ويشهد البلد طفرة اقتصادية».
كان يمكن لنسبة الـ 10% من حجم الناتج المحلي التي يخسرها في اليوم اقتصاد لبنان بسبب الحرب، أن تساعده كثيرا في زيادة نموه الاقتصادي لولا حرب غزة، ما يعني أن النمو من جديد وحتى نمو الآمال مؤجل، وبالتالي أهل البلد وحتى إشعار آخر سيمضون يرددون كل ليلة وبحسرة «تصبحون على وطن».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك